أُقيمت ندوة (سمنار) افتراضية على برنامج “زوم” حول الاحتفاء بصدور كتاب “الأدب السري لمسلمي إسبانيا الأواخر” بالتعاون بين مركز البحوث والتواصل المعرفي (السعودية) ومؤسسة التميمي للبحث والمعلومات (تونس)، وشارك فيها رئيس مؤسسة التميمي الدكتور عبدالجليل التميمي، ورئيس مركز البحوث والتواصل المعرفي الدكتور يحيى بن جنيد، إضافة إلى عدد من الأكاديميين والإعلاميين المهتمين بشأن الدراسات الموريسكية.
وبيّن التميمي أنه زار مؤلفة الكتاب الدكتورة لوثي لوبيث بارالت في دولة بوتوريكو ووجد أنها أسست “مخبراً” يضمن أكثر من عشرين باحثاً وباحثة متخصصين في دراسات “الألخميادو”، أي: الأدب القشتالي المكتوب بالأحرف العربية، وعندما اطلع على كتابها حول أدب السرّي لمسلمي أسبانيا الأواخر حرص على إخراجه وإبرازه بالعربية.
وأثنى الدكتور ابن جنيد على الإصدار، وقال إنه كتاب من أهم الأعمال التي تصدر باللغة العربية في هذا الوقت، وبيّن أنّ ترجمته ومراجعته وتحريره مرّت بمراحل عدة حتى استُكملت طباعته في المملكة العربية السعودية، ثم في تونس.
ووصفت المترجمة الدكتورة نادية العشيري من المغرب الكتاب بأنَّه من الأصول النادرة من نوعها، كما استعرضت بعض المصاعب والعقبات التي واجهتها في ترجمته، لا سيما فيما يتعلّق بالوقت المخصص للترجمة، وذكرت أن من المهمّ تبنّي قضية الموريسكيين؛ لأنَّ ذلك يمكن أن ينير الطريق للشعوب الأخرى، التي تصارع من أجل البقاء في ظل الاضطهاد، وينبغي جمع هذا التراث وتوثيقه وتوظيفه لفك شيفرة التاريخ الموريسكي، ولا بدّ مِن مد الجسور بين المشرق والمغرب والمهتمين بالثقافة العربية والتاريخ الأوربي، من أجل الحفاظ على هذا التخصص والعناية به وتطويره.
وتحدثت الدكتورة إيناس صحابو عن القيمة العلمية للمخطوطات التي درستها مؤلفة الكتاب لوثي لوبيث بارالت، وذكرت أنَّ هذا الكتاب يمثّل تحدّيًا ماديّاً ومعنويّاً للمقولة التي تدعي أنَّ التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون، فقد قدمت بارالت الفرصة للموريسكيين المغلوبين والمقهورين لسماع صوتهم، من خلال أدب الموريسكيين السري خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، وهو يقدم شهادة وافية عن التهجين الثقافي المتنوع لدى الإسبانيين والموريسكيين على حدٍ سواء، ومن شأن مواصلة البحث في المكتبات الإسبانية والأوربية عن المواد المشابهة لمحتوى الكتاب أن يؤدّي إلى الكشف عن مواد وتفاصيل أخرى أكثر توسعًا وشمولية.
وأضافت: إنَّ تحقيق هذا النوع من المخطوطات يستلزم الإلمام باللغة العربية والمصطلحات الدينية الإسلامية، ومعرفة اللهجات الإسبانية القديمة والتاريخ الموريسكي؛ لأنَّ هذه المخطوطات مزيج يلتقي في مصب ثقافتين وحضارتين مختلفتين.
وقالت: إنَّ هذا الكتاب يسلط الضوء على بُعد جديد من أبعاد حياة الموريسكيين في الوسط الإسباني بعيدًا من المشكلة المركزية المتمثّلة في طرد المسلمين من الأندلس عام 1609م، فقد دوّن أولئك الكتّاب أحلامهم وحياتهم وشعائرهم الدينية، فكان هذا بداية إحياءٍ لتراث مقبور بالكامل، وقد أثبتت المؤلفة وجود أدب موازٍ للأدب الإسباني الكلاسيكي، لكنه أدب صامت يُكتب في الخفاء، هو الأدب الموريسكي، كما أنه تضمّن كتابات لموريسكيين يكتبون من المنفى، أي: مِن خارج إسبانيا، وهم مشتتون بين انتمائهم الإسلامي وحنينهم إلى وطنهم المفقود الذي يكتبون بلغته السائدة، لكن بحروف لغتهم العربية الأصلية.
وأوضح الدكتور ياسر سرحان في مداخلته أنَّ تجربته في مراجعة الكتاب كشفت له أن النصوص الموريسكية مشتركة، وتسترفد مادتها من تلاقي عالمين، أحدهما مشرقي عربي، والآخر إسباني أوربي، وترسم عالماً إسلامياً في بيئة مسيحية، وذكَر أنَّ ثمة صعوبات واجهته في أثناء مراجعة الكتاب، ومنها: التوثيق عن النسخ العربية لاستخراج النصوص العربية الأصلية المنقولة في النسخة الإسبانية ونشرها كما هي، وتصحيح بعض المفاهيم والتصورات الخاطئة في الكتاب، ثم وإدراجها في الحواشي والتعليقات.
وأوضح الدكتور حسام شاشية في كلمته أنَّه اطلع على الكتاب في نسخته الإسبانية التي صدرت عام 2009م، ووصف قراءته باللغة الأصلية بالأمر الصعب، وبأنَّ مراجعة نسخته العربية كانت بدرجة عالية من الصعوبة أيضًا، وقد استغرقت نحو عامين؛ لأن المؤلفة استخدمت مصادر “ألخميدية” كُتبت بلغة ذلك العصر، وتقوم بتحليلات معمقة جدّاً.
وبيّن أنَّ هذا الكتاب ليس مرجعاً فحسب، بل هو مصدر غني بالترجمات لمخطوطات أصلية، ويمكن القيام بكثير من الدراسات بناءً عليه، فضلاً عن التحليلات الممتازة للمؤلفة لوثي لوبيث بارالت، التي ضخت فيها خبرتها التي راكمتها خلال عقود طويلة.
0 تعليق