هذه الدراسة التي جاءت ضمن سلسلة (قضايا مستقبلية) التي يصدر مركز البحوث والتواصل المعرفي، وضعها الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن الفرج الباحث بالمركز، وهي تبحث آفاق تطوُّر العلاقات بين المملكة والصِّين، واحتمال تطوُّرها من شراكة استراتيجية إلى تحالف استراتيجي في المستقبل. فقد تمكَّن البلدان خلال فترة وجيزة من إحداث نقلة في تطورهما الاقتصادي، وتغيير موقعهما في النظام العالمي، بحيث أصبحتا من البلدان المؤثرة فيه.
وتطوَّرت العلاقات الاقتصاديَّة بينهما بشكل لم يسبق له مثيل، إلا تطوُّر العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة. ويُعدُّ قطاع الأعمال في المملكة هو المستورد الرئيس من الصِّين، في حين أنَّ القطاع الحكومي هو المستورد الرئيس من الولايات المتحدة.
وقد أدَّت الأزمة المالية الاقتصاديَّة العالمية التي كانت بؤرتها الولايات المتحدة عام 2008م إلى إضعاف الأخيرة وتقوية الصِّين، التي أصبحت، بدلاً منها، هي العربة التي تجر الاقتصاد العالمي وراءها.
ونتج من استمرار الأزمة الاقتصاديَّة بعد عام 2008 م دخول النظام العالمي في مرحلة انتقالية، برزت خلالها 3 أقطاب ومراكز للقوة هي: الولايات المتحدة، والصين، وروسيا؛ إذ تقيم المملكة علاقات استراتيجية مع هذه الاقطاب، وإن بشكل متباين، ففي مجال الطاقة تتحالف مع روسيا ضمن أوبك + لضمان أمن الطاقة واستقرار أسواق النفط العالمية؛ وتقيم شراكة تجارية مع الصِّين بوصفها القوة التجارية رقم 1 في العالم، وتتحالف استراتيجيّاً مع الولايات المتحدة، التي هي أضخم قوة عسكرية.
وتتميَّز الولايات المتحدة، بكونها أكثر أقطاب النظام العالمي استعراضًا للقوة العسكريَّة، إذ تنتشر قواعدها في منطقة الخليج أكثر من أي دولة أخرى. ووصلت العلاقات بين الصِّين والمملكة، إلى درجة من التطوُّر، وأصبح دفعها إلى الأمام يحتاج إلى مبادرة، ولكنَّ كثيرًا منها سوف يعتمد على تطوُّر المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام العالمي.
وقد ترى المملكة والصِّين تطوير علاقاتهما من شراكة استراتيجية إلى تحالف استراتيجي، فهذا من شأنه أن يحلَّ التناقض؛ بوصف أنَّ الصِّين أهم شريك تجاري، في حين أنَّ الولايات المتحدة هي أهم شريك عسكري.
استقبل مركز البحوث والتواصل المعرفي، الثلاثاء الماضي، رئيس وزراء الحكومة اليمنية السابق معالي الدكتور معين عبدالملك، بمقر المركز في الرياض.
وأقيمت في أثناء اللقاء حلقة نقاش حول العلاقات الثقافية اليمنية السعودية، واستعرضت الحلقة الوشائج والروابط الأخوية والدينية والثقافية التي تجمع الشعبين السعودي واليَمني.
وأكد الدكتور معين عبدالملك على أهمية الدور الذي تؤديه المملكة العربية السعودية، وأشاد بجهود مراكز البحوث في تعزيز التواصل والعلاقات الثقافية والفكرية بين المثقفين اليمنيين والسعوديين، خصوصاً في ظل الأزمات والقلاقل التي تمرّ بها المنطقة.
«إشكاليات الترجمة من الصينية إلى العربية من واقع الأدب النثري والروائي» كتاب أصدره مؤخرًا مركز البحوث والتواصل المعرفي، وهو من إعداد الدكتور ياسر عبدالله السرحان، الذي يقول في مقدمته: «لقد شرعت الصِّين بقوة في العمل على نشر اللغة الصِّينيَّة والتعريف بها. وذلك – لا شك – إحدى أدوات نقل المعرفة، ومن منطلق صيرورة الثقافة نمط حياة للأفراد، ورافدًا أساسيّاً للنمو الاقتصادي، بدا تعزيز التواصل الثقافي بين الصِّين ودول العالم، ولاسيَّما العالم العربي، محطَّ اهتمام وجسرًا قويّاً لبناء التعاون الاقتصادي بين الأطراف المتثاقفة، بيد أنَّ تلك العزيمة قاومتها
تحدِّيات لا تقلُّ خطرًا عن المعوقات السياسيَّة والاقتصاديَّة».
وتلك التحديات يختصرها الكتاب في ثلاثة أمور، أولها تحدٍّ وهمي يتمثل في البعد الجغرافي بين الصين والعالم العربي، وقد تخطته فرص التواصل الثقافي في العصر الحاضر، ومستجدَّات الحضارة في كوكب الأرض، لكن هذا التحدِّي المزعوم ظلَّ باقيًا مسيطرًا على عقلية العربي أمدًا طويلاً.
أمَّا التحديان الجديران بالنظر والدراسة، فيتمثل أولهما في صعوبات ذاتية توصف بها اللغة الصِّينيَّة. ومن الحقائق الأكيدة، أنَّ ازدهار أي لغة لا يكون إلا على حساب أخرى، وقد ازدهرت الإسبانيَّة بعد الحرب العالميَّة الأولى.. والصِّينيَّة والعربيَّة بعد الحرب العالميَّة الثانية. ولو انتقلنا إلى لغات حديثة زمنيّاً لشاهدنا ازديادًا في قوة الشخصية وعدد المتكلمين كما في الإنجليزيَّة والفرنسيَّة اللتين اكتسبتا متكلمين جددًا عن طريق الامتصاص من ناحية، والنمو الطبيعي من ناحية أخرى.
أمَّا الصِّينيَّة في رأي اللغويين المحدثين، فيرجع التزايد العددي لمتكلميها إلى سبب واحد، وهو النمو السكاني الهائل. وعلى عكس الإنجليزيَّة والفرنسيَّة.. والعربيَّة في درجة قوة الشخصيَّة يرى ماريو باي الصِّينيَّة، على الرغم من كثرة متكلميها لغة مقيَّدة إلى حدٍّ كبير بمناطقها المحليَّة.
ومن سياق التحديات التي تقف حجر عثرة أمام اللغة الصِّينيَّة أنَّ لهجاتها كثيرًا ما يفشل المتكلمون بها أن يجدوا صيغة مشتركة للتفاهم على الرغم من أنهم تجمعهم طريقة واحدة للكتاب.
وأمَّا ثاني التحديين فإنه يتمثل في المركزيَّة الأوروبيَّة وهيمنتها على الشأن الثقافي العربي، والوصاية الإنجليزيَّة على لغات الأرض، وهي حقيقة لا يمكننا إخفاؤها.
يُعدُّ هذا الكتاب مفتاحًا لفهم التغيُّرات في دولة الصِّين المعاصرة، من خلال توقُّع اتجاهها المستقبلي، وتفسير بروزها بصفتها لاعبًا أساسيّاً على الساحة الدولية، ودورها في التأثير العميق في مستقبل العالم.
دخلت الاشتراكية ذات الخصائص الصِّينية عصرًا جديدًا؛ فالصِّين الآن في مرحلة جديدة من الدخل المتوسط إلى المرتفع والتنمية البشرية العالية، وتتركز الجهود الهادفة في الوقت الراهن للوصول إلى مرحلة الدخل المرتفع والتنمية البشرية العالية جدّاً، وفي الوقت ذاته، فإنَّ معدل الابتكار النظري المطلوب لتحقيق هذه الأهداف ينعكس بشكل بارز من خلال إلى «استراتيجية محورها الاقتصاد» إلى «استراتيجية محورها الشعب» كما يراها الرئيس شي جين بينغ، الذي يقول: «ينبغي أن يكون هدفنا تحقيق تطلُّعات الشعب لعيش حياٍة أفضل، والتعويل عليه من أجل الدفع بعجلة التاريخ إلى الأمام»، ومن ثَمَّ، يعكس هذا التوجُّه فكرة أنَّ التحديث في خدمة التنمية البشرية، ويمثِّل هذا المفهوم – حسب الكتاب – الهدف الأساس من عملية التحديث الاشتراكي.
ويواصل معدُّوه «سيواصل الحزب معالجة المشكلات، والتحدِّيات البارزة في تنمية الصِّين. وفي الواقع، فإنَّ الإستراتيجية التي ترتكز على الشعب هي بحدِّ ذاتها ابتكارٌ مهمٌّ يقود الطريق نحو مستقبل الصِّين، وعلاقته بالتنمية».
نظم مركز البحوث والتواصل المعرفي في مقره بالرياض ندوة حوارية الثلاثاء الماضي 28 ربيع الأول 1446هـ (1 أكتوبر 2024م)، حول رواية «بكين بكين» بمشاركة مؤلفها الروائي الصيني العالمي شيو تسي تشين، وحضور مجموعة من المثقفين والأدباء والناشرين السعوديين والصينيين، وغيرهم.
وبدأت فعاليات الندوة التي افتتحها مدير إدارة البحوث بالمركز الدكتور علي الخشيبان بمقدِّمة قصيرة، ألقى بعدها رئيس المركز الدكتور يحيى بن جنيد كلمة ترحيبية بالروائي الصيني والوفد المصاحب له، ثم بعد ذلك ألقت يانغ شوي (مريم) ورقة تعريفية بالروائي الصيني تشين.
وتضمَّنت ورقة شوي تعريفاً بالروائي؛ بوصفه أحد أبرز الكتاب والأدباء الصينيين المعاصرين، وتطرَّقت إلى حصوله على جائزة «ماو دون” الأدبية التي تُعدُّ أعلى جائزة في الأدب الصيني. وأشارت إلى أعماله الأدبية “رحلة إلى الشمال»، و«القدس»، و«وانغ تشنغ روهاي»، و«القطار الليلي»، و«بكين بكين»، وغيرها.
وأوضحت الورقة أنَّ تشين فاز بجائزة «ليو شيون» للأدب، كما حصلت روايته «القدس» على جائزة “لاو شه” للأدب، ونالت روايته «رحلة إلى الشمال» جائزة «أفضل الأعمال الأدبية» من دائرة الإعلام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ثم فازت روايته «جبل يو قونغ شان» بجائزة «يو دا فو» للرواية، وتُرجمت أعماله السردية إلى أكثر من 12 لغة.
ومن الجانب السعودي قدّم الباحث بالمركز عبدالواحد الأنصاري قراءة نقدية حملت عنوان «السعي الدائري في رواية بكين بكين»، تحدَّث فيها عن معوِّقات مقاربة القارئ العربي للأدب الصيني المترجم، مبيناً أنَّه اختار لورقته عنوان «السعي الدائريِّ»؛ لأنَّ حكاية الأبطال في الرواية تشكِّل بنية دائرية تتنقل بين السجون، والشوارع، والمخالفات القانونية.
وأوضح الأنصاري أنَّه يمكن مقاربة اهتمامات رواية «بكين بكين» من نافذتين، إحداهما مرتبطة بالجيل الروائي الذي ينتمي إليه تشين، وهو جيل روائيي ما بعد السبعينيات في الصين، وكذلك من نافذة الرواية نفسها، التي تعرض تجارب بائعي الإسطوانات المزيفة في أسواق «تشون قوان تسون» في العاصمة بكين.
ولاحظت الورقة ملحظاً اجتماعيَّاً، وهو ندرة النساء وكثرة الرجال في الصين، «فالمرأة، وخصوصاً الشابة، تظهر كأنما هي (ملكة نحل) وسط حشد كبير من الذكور يحومون حولها، ولعل لهذا علاقة وطيدة بعاملين أساسيين، هما: التقاليد الشرقية التي تفرض على النساء قدراً معيناً من الامتناع عن الرجال، وتوجب عليهم المحافظة على الكياسة والكرامة، بحيث تؤدِّي نتائج ذلك أحياناً إلى عكس المعادلة. وأما العامل الآخر فهو أنَّ وفرة الرجال في الصين، بسبب خيارات الإنجاب التي تستبعد الإناث غالباً، وترجِّح كفة الأنثى، وتجعل الذكر هو الطرف الأضعف في العلاقة بين الجنسين».
وأوصت الورقة بأهمية دراسة الأدب الصيني ومتابعة تياراته ومدارسه وأعلامه، ومراعاة أوجه تشابه المجتمعات العربية والصينية من خلال رصدها في الظواهر الأدبية لدى الجانبين.
وألقى مترجم رواية «بكين بكين» الدكتور يحيى مختار كلمة تطرَّق فيها إلى تحدِّيات الترجمة من اللغة الصينية إلى اللغة العربية، خصوصاً فيما يتعلَّق بأسماء المؤلفين وترجمة عناوين الروايات، وبيَّن أنَّ رواية «بكين بكين» جرى تغيير عنوانها في نسختها العربية إلى ما يناسب القارئ، والشارع العربي، الذي يحتاج إلى تقريب العمل الأدبي الصيني إليه بطريقة تمكِّنه من قراءته قراءة مثمرة يتحقق بها التواصل المعرفي والثقافي بين الشعوب، وليمكن نقل الأفكار الأساسية في الأدب الصيني إلى القارئ العربي.
وأفاد الدكتور يحيى مختار بأنَّ شخصيات رواية «بكين بكين» واصلت حضورها في أعمال الروائي تشين، التي ترجمها هو أيضاً إلى العربية، وهي «لقاء في بكين»، و«حكايات من ضاحية بكين».
وانتقل الحديث إلى الروائي الصيني شيو تسي تشين، الذي عرَّف بالفئة الاجتماعية التي عالجت روايته «بكين بكين» قضاياها، وهي الفئة المهاجرة من أرياف الصين ومحافظاتها ومناطقها الأخرى إلى بكين، ممن لم تكن الفرص الوظيفية متاحة لهم في السابق، وقبل مرحلة التحوُّل الإيجابي الجديدة في الصين، لافتاً إلى أنَّ اهتمامات روايته ليست سياسية بقدر ما هي تتعلَّق بنوع معين وشريحة معينة من المجتمع، عاش المؤلف تجاربه معهم، وجمعته بهم ظروف الحياة، وتقلباتها، في أثناء دراسته وعمله في الصين، فصيَّرهم أبطالاً من لحم ودم، وعمََر بهم أجواء رواياته. منبهاً إلى أنَّ ظاهرة “بائعي الأسطوانات المقلَّدة” اختفت من الصين، بعد تطبيقها اتفاقيات حقوق الملكية، وأن الرواية إنما كانت ترصد فئة اجتماعية أوجدتها ظروف صعبة، وتلك الظروف قد تجاوزتها الصين الحديثة، وعاصمتها الحديثة بكين.
بعد ذلك أتيح المجال لمداخلات المشاركين والحاضرين، ومنها مداخلة الروائي عبده خال، والدكتور صالح معيض الغامدي، والدكتور إبراهيم الفريح، والدكتور حسين الحسن، والروائي حسين علي حسين، والقاص خالد الداموك.
يذكر أنَّ اللقاء الذي أقيم في مقر المركز حضرته شخصيات ثقافية وأدبية من الصين والسعودية، من بينهم أستاذ اللغة العربية بجامعة بكين شوي شين قوا (بسام)، والسيدة قوان هونغ نائبة المدير العام لدار إنتركونتيننتال الصينية وفريق النشر في الدار، ومدير التحرير في صحيفة الرياض عبدالله الحسني، والدكتور راشد القحطاني، والدكتور فهد الشريف، وعضو مجلس الشورى السابق الدكتور إبراهيم النحاس، والكاتب محمد القشعمي، والروائي عبدالعزيز الصقعبي، والقاص خالد اليوسف، وأحمد بن هزاع الشنبري، إضافة إلى عدد من باحثي المركز ومنسوبيه.