سيرة علّامة اللغة العربيّة الصيني “محمد مكين”
بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية:
تدشين كتاب عن سيرة علّامة العربيّة الصيني “محمد مكين”
صدر حديثًا عن مركز البحوثِ والتواصلِ المعرفي كتاباً عن سيرة علامة العربيّة الصيني محمد مكين، من تأليف: لي تشن تشونغ، وترجمة: وانغ قوانغدا (محفوظ)، ومراجعة: أحمد عويّز، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي يُقام احتفاله في دول العالم في الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام.
وتتضمنُ مداخل الكتاب كلمةَ المترجم، وتقديمَ الترجمة العربية للكتاب، والمقدمة الأولى التي تتمثل في الإنجازات العلمية لمحمد مكين، كتبها باي شو يي، والمقدمة الثانية بعنوان (ذكرى السيد مكين) بقلم شا بنغ تشنغ، والمقدمة الثالثة: نموذجٌ مثاليٌ جامع بين مكارمِ الأخلاق وعمقِ المعارف، لـتشوي وي ليه، والمقدمة الرابعة: استعراض حياة مكين، لما تسون تشن.
وتغطي فصول الكتاب مرحلة حياة حافلة لهذا العالِم ورسالته، التي تبدأ بمولده عام 1906م في يوننان من أسرةٍ فقيرة كثيرة الأفراد في قرية شاديان في أقصى الرّيف الصيني وعيشه تجربة اليتم بعد وفاة والدته ومراحل تعليمه الأوليّ حينما درس اللغة العربية والقرآن على يدِ الإمام وانغ تشنغ يي وتخرّجه في مدرسةِ يوننان العُليا لتعليمِ الدّين الإسلاميّ بمدينةِ كونمينغ في عام 1922م، ثمّ التحاقه في كانون الأوّل من عامِ 1931م في جامعةِ الأزهرِ بالقاهرةِ، وأخيراً تخرّجه في دارِ العلومِ بالقاهرةِ في عام 1939م، حتى وفاتهِ في شهرِ آب من عامِ 1978م.
وفي حياة حافلة بالمنجزات أنجز مكين أكثر من 84 عنواناً، بين كتاب مؤلّفٍ أو مترجمٍ من العربيّة إلى الصينيّة ومن الصينيّة إلى العربيّة أو بحثٍ أو مقالٍ، ومن مؤلفاته المُهمّة “مُعجم اللغة العربيّة الصينيّة، فضلاً عن تأليفهِ مجموعة كتب منهجيّة بعدّةِ مستوياتٍ من دراسة العربيّة.
وفي حقلٍ آخر، هو المواقيت الإسلامية، إذ وجد المسلمين الصينيين يختلفون في ضبطِ مواقيتهم الشرعيّة، فأصدرَ كتابَ “منهاج التقويم الهجريّ”، وتحرى فيه بيانِ جهود العرب في علمِ الفلكِ، وأوقف الخلافات التي كانتْ قائمة في الصين على المواقيت الإسلامية.
ولمكين على مستوى الترجمةِ من العربيّةِ إلى الصينيّةِ كتابَا “موجز تاريخ العرب”، و”تاريخ العرب”، فضلاً عن ترجمتهِ كتابِ “تاريخ شبه الجزيرة العربيّة” لمصطفى الدّباغ، وأمّا في حقلِ علمِ الكلامِ الإسلاميّ فقد ترجم كتاب “علم الكلام الإسلاميّ” لدي بور وكتابَ “رسالة التّوحيد” لمحمد عبده، وغيرهما من الكتب.
إن أهم ترجمات مكين على الإطلاق هي ترجمته معاني القرآن الكريم، مع مُقدمة وشرح واف عن دلالاتِ النصِّ وسماته وتاريخهِ، وهي جهدٌ توّجَ مشروعِ حياتهِ العلميّة، فجاءت كأكثرِ التّرجمات إتقاناً وشرحاً لمعاني القرآن الكريم، واعتمدها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
وأمّا ترجمات مكين من الصينيّةِ إلى العربيّةِ فأبرزها ترجمتهُ كتابِ “الحوار” لكونفوشيوس إلى اللغةِ العربيّةِ، فضلاً عن جهودهِ في كتابةِ عشرات البحوثِ والمقالات والمُشاركات في المؤتمرات، التي تصدّى فيها لدفعِ الشُّبهات عن الحضارةِ العربيّةِ والإسلاميّةِ، وسعى في جهدٍ ملحوظ إلى الربطِ بين القيمِ الإنسانيّة التي حملتها روحُ التّسامح في الدين الإسلاميّ، مع ما جادَ بهِ فلاسفة الصين وحكماؤهم.
وقد أثارت الوثائق التاريخية إعجاب الأستاذ مكين، فبذل جهوداً لجمع شجرات أنساب الشخصيات التاريخية لقومية هوي. وبحوثه المتعلّقة بتحقيق الوثائق التاريخية في هذا المجال منتشرة في مختلف المصادر.
ولا ترجع أسباب الإنجازات العلمية التي أنجزها مكين إلى جهوده الشخصية فحسب، بل تعد امتداداً للتقاليد العلمية القديمة لمسلمي الصين، بيد أن الدارسين المتخصصين يجمعون على أنه تجاوز أسلافه من شاديان الصينية في كثير من المجالات.
وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، انتخب مكين عضواً في المؤتمر السياسي الاستشاري ونائباً في المؤتمر الوطني الشعبي، فكثرت أنشطته السياسية والاجتماعية، وانشغل بتطوير مجال تعليم العربية في الصين وجامعاته، وواصل العمل على مشروعاته العلمية والبحثية، على رغم مرضه وازدحام جدول أعماله.
وقد حاولت زوجته وبعض من أصدقائه وتلاميذه إصدار سيرة حياته بعد موته، ولكن المشروع ظل يتعثر طوال السنوات الماضية، حتى تصدى لإنجازه الأستاذ لي تشن تشونغ، وهو عالم صيني مسلم، تخرج في جامعة القاهرة، وانشغل بعد عودته إلى الصين بالتعليم وبحوث العربية في جامعة بكين، وعمل زميلاً لمكين أكثر من عشر سنوات.