أصدر مركز البحوث والتواصل المعرفي سِفراً ضخماً يتضمن أخبار الملك سلمان بن عبدالعزيز الصحفية منذ عام 1354هـ إلى عام 1407هـ، أي أنه يغطي أخبار الملك سلمان خلال أكثر من نصف قرن، كما روتها الصحف والمجلات السعودية منذ بدء صدورها، وما بثته وكالة الأنباء السعودية.. ويحتوي على كم ضخم من المعلومات التي تكشف الدور الذي أدّاه خادم الحرمين في تاريخ المملكة قبل تسلمه مقاليد الحكم، ويبرز الكتاب تشعب نشاطاته ومشاركاته المحلية والدولية، وإسهاماته الجلية والجمة في دعم القضايا العربية والإسلامية، بما يؤكد اضطلاعه – رعاه الله – مذ كان يافعاً، بجلائل الأمور، التي ذلل صعابها وقاوم عقباتها بعزم ماضٍ، ويقين ثابت، وفكر ثاقب، وسعي صادق، وعمل متواصل، حتى بلغ في المجد غايته، وقد حفل الكتاب بعدد من الصور التي مثلت محطات عمرية مختلفة لخادم الحرمين.
رصد التبرعات بالأراضي والأموال
وقد أعدّ الدكتور سلطان بن سعد السلطان موادّ كتاب «سلمان بن عبدالعزيز رصد لأخباره الصحفية»، وحرّرها وراجعها وأخرجها فريق التحرير والإخراج في مركز البحوث والتواصل المعرفي.
ويذكر الدكتور سلطان أن دافعه إلى جمع مواد الكتاب وإعدادها جاء انطلاقاً من أن تخليد آثار العظماء وتسجيل مآثرهم وتدوين أمجادهم والإشادة بإنجازاتهم مقصد سامٍ وعملٌ جليلٌ، وواجب وطني، وهو دليل الوعي، وعنوان الوفاء، والشاهد على العرفان؛ من أجل أن تتلقف الأجيال سير أولئك الأعلام، فيعرفوا ما قدموه وما بذلوه، وخادم الحرمين الشريفين من أولئك الأعلام الأفذاذ الذين سطّروا في سجلّ التاريخ صفحات بيضاء سيذكرها الزمان، ناطقاً بمآثره، مشيداً بأعماله.
ويروي السلطان في مقدّمته عن الأستاذ علي حافظ أنه كتب في سنة 1374هـ في صحيفة المدينة أن الملك سلمان، كان في ذلك الوقت هو الأمير الذي إذا رأيته أحببته؛ لأن له أخلاقاً رفيعة، ووجهاً ضاحكاً، وأماني فسيحة. وقد رآه حافظ وهو ينوب عن أخيه الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله في إمارة الرياض، فوصف المشهد بأنه رأى حزماً عارماً ونشاطاً متدفقاً، وكرَماً عربياً، وحرصاً نادراً على خدمة بلاده ومليكه. وقد وصفه بذلك الحزم العارم في تلك المرحلة المبكرة، وكان مصداق ذلك أن امتدّ ذلك الحزم والعزم حتى عاصفة الحزم التي شهد فيها العالم بأسره حزم الملك سلمان وعزمه.
أكد “الباب المفتوح” و”القرار المنصف”
سعى الدكتور السلطان إلى رصد أخبار خادم الحرمين كما روتها الصحف والمجلات السعودية، منذ بدء صدورها؛ فاستخرج منها أخباره في شتى المجالات، وأشار إلى جميع المقالات التي تحدثت عنه، وأثبت تواريخ اللقاءات الصحفية التي أُجريَت معه، ورتّب الأخبار حسب تسلسلها التاريخي، ووضع تاريخ حدوث الخبر أولاً، ثم أوردَ الخبر، وبعد ذلك أثبت مصدراً أو أكثر للخبر، من دون ذكر تاريخ النشر، ولكن النشر غالباً ما يكون بعد يوم أو يومين، أما المجلات فأورد أخبارها بحسب وقت صدور الأسبوعية أو الشهرية منها.
وكان أقدم خبر وجده المُعِدّ يتعلق بالملك سلمان هو ما ورد في صحيفة أم القرى في شهر شوال من عام 1356هـ، الذي أشار إلى سفره هو وبعض إخوانه الأمراء إلى مكة المكرمة، وكان عمره آنذاك عامان.
وتتوالى الأخبار التي اعتنى بها الدكتور السلطان جمعاً وتلخيصاً، فمن ذلك: أن أول لقاء صحافي أجري مع الملك سلمان كان في سنة 1375هـ، مع صحيفة اليمامة، وأما اللقاء الثاني ففي السنة التي بعدها، في صحيفة حراء.
ويتضمن الكتاب ذكر أهم الجوانب الرائدة التي اضطلع بها خادم الحرمين منذ سنة 1374هـ حتى 1407هـ، ومنها: إشراف خادم الحرمين على تأسيس صندوق البر بالرياض (1374هـ)، وإقامته حفلات الاستقبال للرؤساء والملوك والأمراء والوزراء وغيرهم (1375هـ). وإشرافه على أسبوع الجزائر، ودعوته إلى التبرع لأهالي مدينة بورسعيد في مصر (1376هـ). ودعوته إلى تعليم المرأة، في لقاء صحفي بصحيفة عرفات (1378هـ). وحرصه على استمرار استقرار الأسعار في السوق، ومحاربته الغش والعبث، واتخاذه الإجراءات التي تحول دون العبث بالأسعار (1378هـ)، وموقفه من ارتفاع أسعار الأسمنت (1385هـ). واهتمامه بالرياضة، وعقده مؤتمراً رياضياً في مكتبه، ورعايته أول حفلة رياضية في الملاكمة (1382هـ)، وتبرعاته للأندية الرياضية (1399هـ). وسعيه إلى إنشاء غرفة تجارية في الرياض (1378هـ). واهتمامه بجميع طبقات الشعب، وإيجاد الحلول لجميع مشكلاتهم، ومن ذلك عقده في مكتبه اجتماعاً لحل شكاوى سائقي الأجرة في الرياض من سوء معاملة المرور، بغرض إنصافهم ومناقشة مشكلاتهم (1378هـ).
وتتوالى الأحداث العظيمة الجليلة في مسيرة خادم الحرمين، فقد كان يقوم بجولات تفتيشية في ساعات متأخرة من الليل للتأكد من أداء رجال الشرطة والأمن لواجباتهم (1379هـ). وتبرعاته النقدية المتتابعة التي لم تتوقف أبداً، وشملت أنحاء العالم العربي والإسلامي وجميع أقطار العالم، ومنها: دعم أهالي الجزائر والتبرع للشعب الجزائري (1376هـ)، وكذا تبرعاته للطلاب المبتعثين (1394هـ)، وتبرعه للمنتخب السعودي (1401هـ)، وتبرعه للراغبين في الزواج في العام نفسه، وتكفله بعلاج كثير من المواطنين المرضى، وتبرعاته لعلاج الشعراء والمبدعين، والأطفال المصابين (1383هـ).
انطلق من التذكير بالمنجزات الكبرى
ومن أهم الأحداث التي تشهد عليها مسيرة خادم الحرمين: محاربته الفساد منذ سنة 1379هـ، وصرفه المكافآت للعاملين المجتهدين من رجال الشرطة (1379هـ)، واهتمامه بمشروعات الرياض ونهضتها العمرانية، وولوجه بالرياض إلى عالم تخطيط المدن الجديدة، وتوفير المياه، وتحلية مياه البحر، بدءاً من سنة 1379هـ. وحرصه على البيئة، والحفاظ على الغطاء النباتي، وتعميده بحماية روضة السبلة، وعنايته بالرفق بالحيوانات والطيور.
ومن ذلك أيضاً منح خادم الحرمين الشريفين الأراضي الخاصة به لتقوم عليها مرافق عامة، كمنحه صندوق البر الخيري قطعة أرض سنة 1379هـ، ومنحه أرضاً ضخمة كبيرة لجامعة الملك سعود سنة 1383هـ، ومشاركته الدول في مناسباتها الوطنية، واهتمامه بالسجون وإصلاحها (1380هـ)، وتكراره الدائم بأنه مستعد لقبول أي ملاحظة، وتوجيهه بحل الملحوظات الواردة إليه، وإعلانه أرقام هواتف منزله الجديد بعد انتقاله إليه (1404هـ)، ومتابعته لتحري الضباط ورجال الشرطة والمرور إلى التحلي بالمعاملة الحسنة وعدم التقيد بالروتين (1383هـ)، وتبرعاته المستمرة للمكتبات (الثمانينات الهجرية)، وعمله الدؤوب لنقل الغاز من المنطقة الشرقية إلى الرياض (1385هـ)، واتجاهه إلى تحويل قصر المصمك إلى متحف للآثار (1385هـ)، وتوجيهه بمصادرة المنتجات الصوتية المسيئة إلى المجتمع الإسلامي (1385هـ)، وزيارته كبار الإعلاميين والمذيعين، مثل زيارته المذيع غالب كامل في المستشفى (1386هـ)، وأمره بتطبيق اللامركزية في إدارات إمارة منطقة الرياض (1386هـ)، وحرصه على دعم اللغة العربية ونشر الفصحى (1387هـ)، ودعمه للأسر الفلسطينية (1388هـ)، وتشكيله لجنة للحدّ من المغالاة في المهور (1389هـ)، وجولاته في مناطق الرياض للتعرف إلى أحوال الأهالي في كل منطقة، واستماعه إلى آرائهم (1392هـ)، ورعايته وحضوره شخصياً حفلات تخريج حفاظ القرآن في كل سنة، وتشجيعه الصناعات الوطنية منذ تسعينيات القرن الهجري الماضي، وتحذيره المبكر من الغلو والعنف والتطرف (1405هـ).
تلك جوانب يسيرة من الأحداث المهمة التي غطاها كتاب «سلمان بن عبدالعزيز رصد لأخباره الصحفية»، وما هي إلا غيض من فيض، وقطرة من بحر، وإلا فإن ثمة كثير من الشواهد والدلائل، التي امتد سردها على مدى 760 صفحة من هذا السفر الضخم.
0 تعليق