أصدر مركز البحوث والتواصل المعرفي كتاباً موسعاً عن المفكر السياسي الفرنسي برنار هنري ليفي، بعنوان “مؤجج الثورات” في 220 صفحة، من إعداد د. انشراح السعدي، وضم قراءة في ثلاثة كتب فرنسية عن الفيلسوف السفاردي المولود في الجزائر، والذي عُرف في الأوساط العالمية بعد اندلاع ثورات “الربيع العربي” بلقب: مؤجج الثورات.
وتقف القراءة التي نشرها المركز على فكر برنار هنري ليفي وتوجهاته ورؤاه التي عبر عنها بشكل علني، وتستعرض ثلاثة كتب، اثنان منها لليفي نفسه (روح اليهودية، والحرب دون أن نحب)، والثالث سيرة كتبها عنه مواطنه: فيليب بوجيو.
ويعود كتاب بوجيو عن ليفي المنشور عام 2005م إلى جذوره في الجزائر، حين قرر والده البحث عن مستقبل أفضل لأبنائه بالهجرة إلى فرنسا، ثم يستعرض تشكّل شخصية ليفي الموزعة بين الهويات المتناقضة، واشتهاره بأنه يزرع الثورة في كل مكان يطؤه، وانهماكه في مهن عدة، منها: الإعلام، والفكر، والسياسة. وولعه بالشهرة من خلال خوضه الحروب الإعلامية، وانكشاف ميوله إلى نصرة هويته الدينية، ودعمه المنقطع النظير لإسرائيل.
ويسعى ليفي في كتابه (روح اليهودية) المنشور عام 2016م، إلى إثبات فضل اليهود على فرنسا، ودورهم فيما صارت إليه هذه الدولة الآن، ويبدأ رحلة هذا “الفضل” مع راشي، الذي كان يدرس التلمود والتوراة، ويعمل مُزارعاً للكروم، وكان حينها يكتب ملاحظاته بالعبريّة، ويضع ما يقابل بعض الكلمات تلك بالفرنسية القديمة. ويرى ليفي أن ما وصل من ترجمات راشي هذه إلى الأجيال بعده مكّن الدارسين من الحفاظ على اللغة الفرنسية، وبهذا وصفه بأنه “أحد مخترعي فرنسا”.
ولا يترك ليفي شيئاً ينصر به ديانته إلا وضعه في الكتاب المذكور، وانطلق في مقام آخر من كتابات لفيناس وألبير كوهين، اللذين غيّرا صورة اليهودية بنظره في الأعمال الأدبية، وردّا القيمة الأدبية إليها، ومن ثمة يدعو اليهود إلى الافتخار بدينهم قائلاً: يجب أن ندين باليهودية ونحن منتصبو القامة، يهودية يقظة وواثقة، يهودية لا تعتذر، يهودية ترد الضربة بمثلها”.
ويفتخر ليفي في هذا الكتاب بدوره في تغيير الحكم في البلدان التي تحدث فيها القلاقل والاضطرابات، وبأنه أتيحت له الفرصة في توجيه الأمم وتسطير مصائرها، متذكراً سعادة النبي المذكور في التوراة (يونس) لإنقاذه أهل نينوى.
وأما الكتاب الثالث (الحرب دون أن نحب) الصادر عام 2011م، فهو عن ذكريات ليفي في حرب ليبيا، التي وضع لها عنوانًا فرعياً هو: “يوميات كاتب في الربيع العربي”، وأبدى فيه نفسه في صورة “رجل الظل” الذي يتخذ القرارات في هذه الحرب، ويكتب البيانات للمعارضين الليبيين، ويصنع الأقدار ويوجه المقاتلين، رجل الظل الذي يظهر علناً، لا ككاتب صحافي وفيلسوف فحسب، بل كصانع مصائر، يتفنن في ذكر تفاصيل هذه الصناعة وتوثيقها باليوم والساعة.
ويقول ليفي في يومياته: “أنا الصانع الأول لهذه الحرب ومحركها، أنا من قدت فرنسا وساركوزي إلى التدخل في ليبيا”، في سرد يريد أن يكشف من خلاله ضعف الثوار الليبيين الذين انساقوا وراءه، إلى درجة أنه يذكر أنه كان يملي عليهم حتى البيانات التي كانوا يصدرونها في الأوقات المختلفة، ويرسم لهم جميع الخطوات التي يتبعونها.
إن يوميات ليفي هذه تقدمه في مشهد الراوي العليم؛ فرئيس خامس أقوى دولة في العالم (ساركوزي) يهاتفه مرات عدة في اليوم الواحد، لكي يستشيره، ولكي يأخذ عنه مجريات الأحداث، أو ليستلهم منه خططه المقبلة، فمحتوى هذا الكتاب هو: إبراز سلطة برنار وسطوته في “ربيع ليبيا”.
0 تعليق