شبه الجزيرة العربية ليس غريباً عن القطب الآسيوي الصيني، فقد عرفا بعضهما على مرّ التاريخ كجزء من امتدادات اقتصادية لا تزال مستمرة حتى يومنا الحالي.
هذا الامتداد الذي يطوقه اليوم “طريق الحرير الجديد” الذي يعتزم العملاق الصيني إعادة بنائه في مسارات التجارة القديمة، لا يمكن أن يستثني السعودية التي تمر مساراته من خلالها، إلا أن حريراً آخر بدأت الرياض تمده إلى بكين.
إذ توّج مشروع ترجمة “سعودي – صيني” متبادل رحلة نقل الأدب إلى أحرف الدولة الآسيوية الكبيرة، بإعلان ضم رواية “العصفورية” الشهيرة للروائي السعودي غازي القصيبي إلى المكتبة الصينية، في مشروع انطلق منذ العام 2019، قام بترجمة ثماني روايات على دفعتين.
“العصفورية” اختيار صيني
الرواية التي تدور أحداثها بين جدران المصحة النفسية كما هو عنوانها، ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، فسخرية الأديب السعودي وسرد تاريخ العرب بأسلوب ذكي وشيّق، لامست شرق القارة قبل أن تلامس المريض في القصة، ليختارها الصينيون من المكتبة السعودية.
ولم تكن العصفورية التي أضفت لوناً زاهياً على المشروع السعودي الصيني هي الوحيدة، إذ رافقتها رواية “السعلوة بين الحقيقة والخيال” لفاطمة أحمد البلوي.
وحول تفاصيل كتب المرحلة الثانية، يشير رئيس مركز البحوث والتواصل المعرفي يحيى جنيد، الذي تولى مهمة الترجمة، إلى أن “العصفورية كانت اختياراً صينياً، أما السعلوة لفاطمة البلوي فتم اختيارها من طرفنا لأن الصينيين يعشقون الأساطير، فمعظم أعمالهم الأدبية تمثل الأساطير”.
اللغات “طريق حرير” ثقافي
وتحاول السعودية توسيع علاقاتها مع شرق العالم وغربه على حد سواء، حتى استثمرت في اللغة الصينية لتكون طريقاً جديد ينقل المعرفة والثقافة على المسارات ذاتها التي حملت الحرير واللبان والبخور يوماً.
وفي مبادرة ثقافية معرفية، دشن مركز البحوث والتواصل المعرفي السعودي مرحلته الثانية من “مشروع النشر السعودي الصيني للأعمال الكلاسيكية والحديثة”.
وتضمنت المرحلة ترجمة وطباعة ثمانية كتب بالمناصفة بين اللغتين الصينية والعربية، ليتم ترجمة أربعة منها في بكين والأخرى في الرياض.
وانتقى المشروع كتباً من صميم المجتمع السعودي، فبجوار عصفورية غازي القصيبي، وسعلوة فاطمة البلوي، تم ترجمة كتاب “10 سيناريوهات لتطور العلاقة بين السعودية والصين” للدكتور عبدالله الفرج، وكتاب “تطور النقود في المملكة العربية السعودية” من إعداد البنك المركزي السعودي.
وتنوعت الكتب المترجمة من الصينية إلى العربية في المجالات المختلفة، وهي “سيادة القانون في الصين” لفنغ يوجين، و”جغرافية الصين” لتشينغ بينغ، و”ماهوا تينغ وإمبراطورية تينسنت” للباحثين لين جون وتشانغ يو تشو، وكتاب “محمد مكين علامة اللغة العربية الصيني” للي تشن تشونغ.
الاختيار من دون تفضيلات أو حدود
وحول أهداف حركة الترجمة التي يقودها المركز، يعلق يحيى جنيد “أردنا أن نقدم صورة واقعية للحركة الفكرية والأدبية في بلادنا، والأدب أكثر قبولاً بين الناس بشكل عام”.
وأضاف، “الإنتاج الفكري السعودي محصور جداً وغير منتشر عالمياً، فقد تمت ترجمة بعض الأعمال الحديثة للغات مثل الإنجليزية والفرنسية بشكل محدود، لكن لا أعتقد أن هناك مشروعاً تولى مهمة الترجمة إلى الصينية بهذا الزخم”.
وعن أسباب اختيار هذه الروايات بعينها لتحظى بفرصة نقل الصورة السعودية للشرق، يشير جنيد “المعيار الأول للاختيار هو ما يمثل الحركة الروائية والقصصية في السعودية، شرط أن يكون مؤثراً وقيماً، أو ما يختاره ويقترحه الجانب الصيني كذلك”. وتأكيداً على أن العلاقات السياسية والدبلوماسية ليست كل شيء، يوضح أن “علاقتنا بالصين قوية لكن معرفتهم بالسعودية ضعيفة، وهذا ليس مستغرباً، فهناك قصور كبير بالتعريف بالحركة الفكرية الثقافية للبلاد، وسبب ذلك نحن وليس الصينيين”.
20 كتاباً
ولم تتوقف الكتب عند ما تمّ تحقيقه وترجمته وطباعته حتى الآن، إذ يشير رئيس وحدة الدراسات الصينية في المركز هيثم السيد، “لدينا مشروع لنقل 20 كتاباً من العربية للصينية، و20 كتاباً من الصينية للعربية، والنشر قائم على تعريف الصين بنا، وتعريف السعوديين بالصين”.
وبدأ المشروع منذ العام 2019 في معرض بكين الدولي للكتاب بثلاثة أعمال سعودية، هي “عرق وطين” لعبدالرحمن الشاعر، و”ثمن التضحية” لحامد دمنهوري، و”ثقب في رداء الليل” لإبراهيم الحميدان، بالتعاون مع جامعة بكين لإعداد المعلمين وجمعية الصداقة للشعب الصيني مع البلدان الأجنبية، وجمعية الصداقة الصينية – العربية، وكلية الدراسات العربية بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين.
مشاريع أخرى ولغات قادمة
ولم يكتف مشروع “البحوث والتواصل المعرفي” باللغة الصينية، إذ يرتبط المركز الذي تم إنشاؤه العام 2016 بوحدة لدراسة آسيا الوسطى وأخرى لجنوب شرقها، ووحدة للدراسات التركية والكردية وأخرى لدراسات العراق وسوريا، إضافة إلى وحدة الدراسات اليمنية، ووحدة حوض البحر الأحمر والدراسات المحلية.
ويبدو أن النجاح الثقافي للمشروع الصيني أثار حماسة المركز لفتح آفاق آسيوية جديدة، إذ يوضح الدكتور يحيى “نحاول أن تكون إندونيسيا بين الدول التي نقيم معها مشروعاً مشابهاً للمشروع الصيني، ونحن نهتم بقضية اللغة العربية فيها”.
ويستطرد، “لدينا اهتمام كبير بروسيا أيضاً، وأقمنا بعض اللقاءات وحلقات النقاش، كما هو الحال لوسط آسيا ومنها تركمانستان وأوزبكستان وطاجكستان وتركستان وكازاخستان”، إذ تحتل وسط آسيا منطقة النشاط الجديد. ويضيف، “مشروعنا الثاني بعد الصين أوزبكستان، وبدأنا في ترجمة تسعة كتب سعودية إلى الأوزبكية، وسيتم تدشينها قريباً”.
0 تعليق