قدم الباحث بمركز البحوث والتواصل المعرفي فهد صالح المنيعي المختصُّ في الشؤون الصينية عرضًا تحليليّاً لكتاب “العلاقات العربية- الصينية” في إطار برنامج “باحث وكتاب”، في حلقة عقدت بمقر المركز يوم الثلاثاء 16 صفر 1444هـ (13 سبتمبر 2022م).
هذا الكتاب هو نتاج بحوث ومناقشات ندوة فكرية لمركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع معهد دراسات الشرق الأوسط، بجامعة شنغهاي للدراسات الدوليَّة.
عُقدت الندوة في بيروت خلال المدة ما بين (21-22 فبراير2017م)، وشارك في طرح محاورها ومناقشتها نحو خمسين باحثًا ودبلوماسيّاً عربيّاً وصينيّاً من 15 دولة.
جاء الكتاب في 10 فصول، وكان الفصل الأول بعنوان “الإطار التاريخي والثقافي للعلاقات العربية – الصينية: مسارات الحوار الحضاري بين العرب والصين في العصر الوسيط”، وكتبه د. محسن فرجاني أستاذ اللغة الصينية بكلية الألسن في جامعة عين شمس المصرية.
وأشار الباحث إلى أنَّه “قد تأسس نمط الحوار الحضاري الصيني – العربي، منذ بدايات القرن السابع الميلادي، واستمر بوتيرة متباينة حتى يومنا هذا، من خلال الرحلات البحرية للعرب، التي شهدت تبادلًا للسلع والمعارف مع الصين خلال العصر الوسيط، وبشكل خاص في عصر حكم المغول، وقد أدّت الرحلات الجغرافية في المحيط الهندي، والسرديات التي دونها الجغرافيون العرب، دورًا بارزًا في التعريف بالصين، بخلاف الطرق البرية؛ التي ظلت فترات طويلة تخضع لاحتكار كيانات حاكمة، فرضت نفوذها هناك، ووقفت أحيانًا عقبة كأداء أمام القوافل التجارية”.
وأكد فرجاني أنَّ “في أيامنا المعاصرة، تبدو العلاقات العربية – الصينية واعدة، وتبشر بعلاقات أكثر واقعية في ظل المصالح المشتركة للعرب والصينين معًا، مما يحتم على الباحثين على وجه الخصوص القيام بجهود بحثية مكثفة تملأ كثيرًا من الفجوات في العلاقات العربية – الصينية”.
وكتب د. مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الفصل الثاني بعنوان “الصين ونموذجها في التنمية”، وتساءل: هل هذا النموذج الصيني قابل للتصدير؟ ثم أجاب بعدم قابليته للتصدير بمقوماته كافة؛ مستدركًا بأنه “يمكن للدول الأخرى استلهام جوانب منه، كالنمو، وأدوار القيادة في الدولة، والجمع بين صور مختلفة للملكية، وعدم الإفراط في إطلاق العنان للسوق، بخاصة فيما يتعلّق بالخدمات الأساسية كالتعليم، والصحة، والرعاية الاجتماعية، وضرورة الانفتاح على المدارس الفكرية كافة، والاهتمام بتنمية العقول البشرية مفتاحًا للتنمية المستدامة”.
وجاء الفصل الثالث بعنوان “الموقف تجاه النظام الدولي وعناصر تغييره.. الصين وتحوّلات النظام الدولي الراهن”، وتناوله د. إدريس لكريني أستاذ العلاقات والقانون الدولي ومدير مختبر الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات في جامعة القاضي عياض، مراكش، المغرب، الذي أوضح أن كثيرًا من المراقبين يرون “أنَّ ما تشهده الصين من تطوّر مذهل، يمكن أن يحدث على المدى المتوسط، خلخلة في النظام الدولي، المفروض من الولايات المتحدة الأمريكية”، مؤكدًا أنَّ “الصين ستؤدّي دورًا كبيرًا في إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد المتعدّد الأقطاب”.
وخُصص الفصل الرابع لعلاقات الطاقة بين البلدان العربية والصين، وطرحته د.نورة بنت عبد الرحمن اليوسف الأستاذ المشارك في قسم الاقتصاد بكلية إدارة الأعمال في جامعة الملك سعود، وقد أشارت إلى أن العرب يرون “الصين شريكًا تجاريًّ مثاليّاً، لا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية”، واستعرضت الخطوات التي جرت لتعزيز التعاون بين بلدان مجلس التعاون الخليجي والصين، وأهمها: قيام الجانبين بسلسلة من الحوارات، وزيادة الاستثمارات القائمة، إضافة إلى مبادرة “الحزام والطريق” المطروحة من الصين. وخلصت إلى أنه من الخطوات المهمة لتعميق التعاون: إنشاء منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول الخليج، التعاون الصيني العربي في العلوم والتكنولوجيا والإبداع، ودعم الصين لإصلاح مجلس الأمن للأمم المتحدة، وتعزيز التعاون الاستثماري والمالي، وتشجيع شركات كل من الجانبين على الاستثمار، والمشاركة في تطوير البنية التحتية في الجانب الآخر.
وتناول: د. تيم تيبلوك الأستاذ في جامعة إكستر ببريطانيا في الفصل الخامس “العلاقات الاقتصادية: طريق الحرير الجديد”، مركزًا في بروز الصين كأكبر شريك تجاري لدول الخليج، مستشرفًا الفرص المستجدة والمعوّقات المحتملة أمام مجلس التعاون الخليجي، وأوضح أنَّه “فيما يتعلّق بمشروع الصين “حزام واحد طريق واحد” فهناك مؤسسات وأطر عمل موجهة للتعاون الإستراتيجي والسياسي، الذي يشكّل عنصرًا أساسيّاً في إستراتيجية الصين العالمية، فهو إلى جانب احتواء برامجه على بناء الطرق والسكك الحديدية، وخطوط الأنابيب ونظم الاتصالات والموانئ؛ فهو يشمل بناء البنية الأساسية والصناعية والمالية، التي تضمن استقرارًا سياسيّاً أشمل ودائم.
وتمحور الفصل السادس حول “العلاقات الاقتصادية: التجارة والاستثمار والسياحة”، فتناول د. محمد حمشي الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة أم البواقي في الجزائر “التحدِّيات والفرص الإستراتيجية”، ونوه بأن العقبات تتمثّل “في التبادل غير المتكافئ في العلاقات العربية الصينية، حيث في مقابل الطاقة التي تصدرها الدول العربية للصين، تتلقى الدول العربية معظم حاجاتها من السلع الصينية”، إلى جانب التحدِّي الأمني والسياسي في المنطقة العربية، سواء تعلّق الأمر بتداعيات الربيع العربي، أو الصراع العربي – الإسرائيلي، أو التوترات في منطقة الخليج العربي، ثم الانقسامات السياسية، العربية – العربية؛ وأكد أنَّه “ثمة فرص كبيرة من أجل تحقيق الشراكة الإستراتيجية المنشودة، وأولى هذه الفرص، إشراك الوطن العربي في مشروع الطريق والحزام، وتطوير المنتديات التعاونية الصينية العربية”.
وطرح د. عاهد مسلم سليمان المشاقبة الأستاذ المشارك في معهد بيت الحكمة للعلوم السياسية بجامعة آل البيت الأردنية في الفصل السابع “الواقع والطموح في العلاقات العربية الصينية”، مشيرًا إلى أن “من أبرز تأثيرات السياسية الصينية الخارجية في المنطقة العربية، هو استخدامها القوة الناعمة في مواجهة الأزمات التي اعترضتها في المنطقة العربية، من أجل حماية مصالحها؛ فوقفت بجانب الدول العربية في محاربتها للإرهاب، كموقفها من الأزمة السورية، واستخدامها لحق الفيتو لمصلحة الشعب السوري، كما عارضت الصين أي تدخل في الشؤون المصرية”.
وأضاف: “في كل هذا، حافظت الصين على انتهاج سياسة خارجية سلمية، وهي بهذا تدعم إقامة نظام دولي سياسي واقتصادي، ملائم لتطبيق سياسة الانفتاح، وتحقيق مصالحها الاقتصادية بعيدًا عن العنف والحروب”.
وتحت عنوان “صعود الصين: المصالح الجوهرية لبكين والتداعيات المحتملة عربيًا” كتب د. ناصر التميمي الباحث عربي مقيم في بريطانيا، موضحًا “أنَّ المنافسة بين الصين والولايات المتحدة أمر حتمي، بينما تخشى الصين محاولات الولايات المتحدة المستميتة لاحتوائها.
جميع هذه المؤشرات تقود إلى نتيجة واحدة، وهي أن نمو المصالح الصينية بهذا الاطراد، لا بد أن يواكبه نمو مواز من الناحية العسكرية، من أجل حماية تلك المصالح، وهو ما قد يؤدي بالضرورة إلى نشوء تحالفات عسكرية مستقبلاً، ربما مع بعض الدول العربية في المنطقة.
وفي الفصل التاسع الذي حمل عنوان “الصين والتنافس الجيوبلوتكي في المنطقة.. إشكالية الإطار المفاهيمي للإرهاب والمقاومة بين العرب والصين”، قال الباحث والإعلامي جواد الحمد رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط، ورئيس تحرير مجلة ” دراسات شرق أوسطية” العلمية، المحكمة بالأردن إنّ هذه الدراسة تحاول مقاربة وفهم موقف الصين من الإرهاب والمقاومة المشروعة للشعب الفلسطيني، موضحًا أنّه “على الرغم من محاولة الصين المزاوجة بين تحقيق مصالحها الاقتصادية والأمنية مع إسرائيل، والمحافظة على موقف أخلاقي تجاه القضية الفلسطينية، فهي في النهاية وصلت إلى طريق لا يدعم المقاومة الفلسطينية المسلحة، بل تطالبها بالسعي إلى تحقيق السلام مع إسرائيل عبر المفاوضات والدبلوماسية، وقد كان لهذا الموقف الصيني تداعيات كبيرة، منها وقف الصين دعمها السياسي والعسكري لحركات الكفاح الفلسطيني المسلح والمقاوم للاستعمار الإسرائيلي”. وجاء الفصل العاشر عن العلاقات الثقافية والإعلامية بعنوان “الحزام الثقافي: تاريخ التبادل الثقافي بين الصين والعرب”، وتحدث عنه د. جعفر كرار أحمد الأستاذ بجامعة الدراسات الدولية في شنغهاي بمركز دراسات الشرق الأوسط، فقال: “إنَّ من أكثر مظاهر التبادل الثقافي والعلمي وضوحًا، ما جاء في كتابات الرحالة العرب والمسلمين عن الصين، والكتابات التي ألفها الجغرافيون الصينيون عن العرب، على شاكلة الدليل السياحي عن العرب، الذي ألفه كيا شان، وما نقله السيرافي عن النظام الاجتماعي الفريد للمجتمع الصيني، وما نقله اليعقوبي عن ملوك الصين وعدلهم، وكذلك ما نقله أحمد بن رسته، وحديثه عن فساد الهواء في إقليم التبت، وحديثه عن الفرق بين المسك الصيني والتبتي، مشيرًا إلى وصول هجرات عربية في شكل مجموعات إلى الصين، في عهد أسرة يوان، وقد نالوا احترامًا مقدرًا من هذه الأسرة والشعب الصيني، وانتهى إلى أنَّ “هذه العلاقات التجارية والثقافية تعرضت للتراجع، إبان سعي البوارج البحرية الأوروبية إلى السيطرة على منافذ التجارة والمواصلات في المحيط”.
0 تعليق