صدر عن مركز البحوث والتواصل المعرفي في الرياض، بالاشتراك مع مُؤسسة التميمي في تونس كتاب “المشهد الموريسكي: سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث” لأستاذ التاريخ الحديث بجامعة تونس حسام الدين شاشية، تقديم أستاذ التاريخ الثقافي لطفي عيسى.
يتكون الكتاب من 640 صفحة تنقسم إلى مُقدمة، وثلاثة أبواب وخاتمة، ثم قسم للملاحق وقسم لعرض الوثائق الأرشيفية، إضافةً إلى المصادر والمراجع التي اعتمدها الكاتب في عمله الضخم.
يقول الكاتب في مُقدمة الكتاب: إنَّ الهدف الأساسي الذي وضعهُ لعمله أن يُقدِّم للقارئ قراءةً واضحة لتطور الفكر الإسباني تجاه المسألة الموريسكية خلال الفترة الحديثة، في إطار محاولته تفسير تزايد الاهتمام بالتاريخ الموريسكي في شبه الجزيرة الإيبيرية، أو الإجابة عن سؤال: ما الذي يجعل إسبانيا الرسمية وغير الرسمية، إسبانيا الأكاديمية، الفنية، الأدبية والصحفيَّة إلخ، تستحضر هذا التاريخ بطُرق مُختلفة وبشكل مُتواتر، وخصوصًا خلال العشريتين الأخيرتين؟
يرى المُؤلف أنَّ تزايد الاهتمام بالتاريخ المُوريسكي، يُعبِّر بالضرورة عن حاجة، فإذا ما قوربت المسألة من زاوية بحثية وصحفية، فهي حاجة للمعرفة، ومن ثَمَّ، إقرار عكسي بنقص المعرفة. أما إذا ما قورب الموضوع من زاوية فنية وأدبية، فهي حاجة لبعث أو خلق حالة أو تصوُّر أدبي وفني للموضوع، للقولبة الجمالية والدرامية. أمَّا من وجهة النظر الاجتماعية والثقافية والسياسية، فهي، حسب رأيه، تعبيرٌ عن حالة القلق والتوتر التي عاشها ويعيشها المُجتمع الإسباني تجاه المسألة الموريسكية.
بالنسبة إلى عنوان الكتاب الأساسي؛ أي “المشهد الموريسكي”، فقد استوحاه الكاتب كما يذكر من كتاب جون لويس غاديس “المشهد التاريخي”، الذي حاول الإجابة عن سؤال: “كيف يرسم المُؤرخون خارطة الماضي؟”، في حين أنَّ عمل شاشية يُحاول الإجابة عن سؤال: كيف رسم الكُتَّاب الإسبان خلال الفترة الحديثة خارطة المسألة الموريسكية؟
اعتمد الكاتب في عمله على مُقاربة راوحت بين استعمال المنهج التأويلي والمنهج الكمي، حسب المُعطيات والنصوص التي توفرت لهُ عن كُلِّ فترة، فالعمل ثريٌّ بالرسوم البيانية والإحصائيات المتنوعة، التي ساهمت في فهم أنساق التطور وتنوعاتها.
اتبع شاشية في مُستوى التخطيط، تخطيطًا كرونولوجيّاً، يقوم على ثلاثة فصول، متفاوتة من حيث الطول، نتيجةً لتفاوت المواد المصدرية من فترة إلى أخرى، حيث عنون الفصل الأول من الكتاب بـ: “كم يوجد في هذا العالم من أشخاص يخشون الآخرين لأنهم لا يشبهونهم!”: كتابات القرنين السادس عشر والسابع عشر”، أين دُرست المسألة الموريسكية في الكتابات الإسبانية للقرنين السادس عشر والسابع عشر، عندما كان حضور الموريسكيين ماديّاً وعلنيّاً بشبه الجزيرة الإيبيرية (حتى نهاية الطرد سنة 1614م). في هذا الفصل، قام بقراءة واسعة في عدد مهم من الكتابات الإسبانية المتنوعة، أي من منظور كتابات ما يُعرف بـ: “التأريخ التبريري “Historiografía apologética، الذي كان معظم مؤلفيه من رجال الدين، ثم الكتابات الإخبارية، فالأشعار والأناشيد، وتلتها الكتابات الروائية والمسرحية.
أما في الفصل الثاني المعنون بـ: “ليس من السهل على أيِّ أمة أن تكُف عن الوجود”: كتابات القرن الثامن عشر”، فقد حاول الكاتب، بدايةً، الوقوف على الحضور الموريسكي في إسبانيا ما بعد الطرد، ثم عالج الكتابات الإسبانية التي تناولت الموضوع الموريسكي، وجاءت في شكل تقارير، يوميات وكتابات صحفية، كما حاول أيضًا الوقوف على رمزيات إعادة طبع الأعمال التي عالجت المسألة الموريسكية في هذا القرن.
وعنون الفصل الثالث بـ: ” المطرودون يعودون!: كتابات القرن التاسع عشر”، وهو الفصل الأطول (جاوز 200 صفحة)، بالنظر إلى تنوُّع التأليف وازدياده حول الموضوع الموريسكي في القرن التاسع عشر، حيث حاول شاشية، بدايةً، تقديم لمحة تاريخية عامة عن إسبانيا في هذا القرن، ثم درس حضور المسألة الموريسكية في الكتابات الصحفية، فالكتابات المسرحية والروائية، وختامًا الكتابات “التاريخية”.
ونقرأ في خاتمة التقديم الذي خصَّ به أ. لطفي عيسى الكتاب ما يأتي: “وبالجملة تبدو محصّلة البحث الشيِّق والمفيد لحسام الدين شاشية حول تطوّر مدركات الإسبان للمسألة الموريسكية، وانتقال تمثلاتهم الجمعية من لُجَاجَةِ التبرير إلى اتّزان التنسيب، مرورًا بالتطبيع والمراجعة، قيمة وجد مفيدة في التعرُّف إلى مسار تحوّل وجهات نظر المدافعين على “الأسبنة” من دعاوي التمسّك المرضي بنقاء الهوية واستعصاء القبول بالغيريات، إلى إعادة الاعتبار تدريجيّاً لدور تلك الجماعات المنفيّة في رسم مشهد إسبانيا الحرة، وإدراج أولئك المظاليم ضمن تاريخ إسبانيا باعتبارهم جزءًا لا يتجزَّأ من الانتماءات المتشابكة والمتظافرة بين ضفَّتي البحر الأبيض المتوسط”.
كيف يمكن الحصول على مطبوعاتكم المتخصصة في الشأن الأندلسي بالذات ، والدراسات الأخرى بصفة عامة ؟