شهدت العاصمة السعودية الرياض إطلاق أول مدرسة سعودية لصنّاع الفكر، تستهدف صناعة جيل من المفكرين السعوديين، بوصفها مبادرة عملية لدعم قطَّاع صناعة الفكر والنهوض به إلى مستويات عالمية، وفق رؤية استشرافية ومنهج علمي رصين، يتواءَم مع متطلبات رؤية “2030”.
وجاء إعلان إطلاق المدرسة، على لسان رئيس مركز البحوث والتواصل المعرفي الدكتور يحيى محمود بن جنيد، على هامش ورشة عمل بعنوان “مراكز الفكر السعودية: الطريق إلى 2030″، التي أقيمت في فندق “موفمبيك الرياض”، بالتعاون بين مركز البحوث والتواصل المعرفي، ومنظمة مراكز الفكر العالمية (OTT)، ومبادرة “DEVE” المتخصصة في تطوير وتمكين مراكز الفكر ومؤسسات المجتمع المدني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وحضرها عدد من مديري ورؤساء المراكز السعوديين، ومجموعة من الباحثين والأكاديميين المعنيين بهذا الشأن.
واستمرّت فعاليات الندوة من الساعة 9.30 صباحاً حتى الساعة 3.00م، وتضمّنت ثلاث جلسات، الأولى بعنوان: مراكز الفكر السعودية: الواقع والتحديات. أدارها المستشار والباحث بمركز البحوث والتواصل المعرفي الدكتور علي الخشيبان، وشارك فيها مدير مركز الدراسات الإستراتيجية في معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية الدكتور منصور المرزوقي، والباحثة المتخصصة في مجال مراكز الفكر الدكتورة عفاف الأنسي. وحملت الجلسة الثانية عنوان: مراكز الفكر السعودية في بيئة عالمية. بإدارة الدكتور الخشيبان، وشارك فيها مدير شؤون الاتصال السابق في تشاثام هاوس كيث بيرنت، ورئيس منظمة مراكز الفكر العالمية إنريكي مانديزابال. وأما الجلسة الثالثة فحملت عنوان: سبيل الإبداع والطريق إلى 2030. وأدارها مدير شؤون النمو في منظمة مراكز الفكر العالمية لويس أورلاندي، وشارك فيها إنريكي مانديزابال، والمدير التنفيذي للمركز الأستاذ عبدالله الكويليت.
وخلال افتتاح الورشة أكد الدكتور ابن جنيد أهمية تكثيف التعاون بين مراكز البحوث والفكر في المملكة وتبادل الخبرات واللقاءات مع مثيلاتها في الخارج، مشدداً على أنَّ الورشة المقامة بهذه المناسبة تسعى للتعرف إلى الوضع الحالي للمراكز، وتتلمس سبل تطويرها بما يخدم أهداف المملكة العربية السعودية، وخصوصاً أهداف رؤية 2030.
ولفت ابن جنيد إلى أهمية القوى العاملة في مراكز الفكر، وضرورة تطويرها وإعدادها ببرامج تدريب وابتعاث منهجية، بالتنسيق مع وزارة التعليم، وذكَر أنَّ الحاجة قائمة إلى تعاون المراكز مع المكتبات ومراكز المعلومات السعودية، لتكون مصدراً للمعلومات. موضّحاً أنَّ من المهم أن تتبنَّى المراكز برامج “الباحث الزائر” فيما بينها، لكي يجري تبادل الزيارات بين باحثيها في السعودية وخارجها، وليتم التنسيق لاستقبال الباحثين من أنحاء العالم، بهدف إثراء معلوماتهم عن المملكة، وتعميق فهمهم لدورها المعاصر.
واحتوت ورقة الدكتور المرزوقي استعراضاً لواقع مراكز الفكر في السعودية وأبرز التحديات التي تواجهها، وانقسم عرضه إلى ثلاثة أقسام، أولها: تعريف مراكز الفكر، وأهم الفروقات بينها وبين حواضن إنتاج المعرفة الأخرى. وثانيها: أبرز سمات مراكز الفكر في المملكة العربية السعودية. وثالثها: أبرز التحديات التي تواجه مراكز الفكر في المملكة. وحث على تولّي جهات وطنية مهمات تذليل الصعوبات التي تواجه مراكز الفكر في المملكة، مثل: مهمة تقويمها، وإيجاد فضاء حوكميّ يساعد على إجراء نقاش يتعلق بمعاييرها والتنافس الإيجابي بينها، على نحو يخدم الالتزام بالجودة والمنهج العلمي. كما دعا إلى إنشاء “بنك دراسات” يصنّف المواضيع والبحوث، بما يسمح بتبادل المراكز الفكرية أحدث ما توصلت إليه، ويحول دون تكرار المهمات نفسها.
أما ورقة الدكتورة الأنسي فتطرقت إلى أبرز التحديات التي تواجه مراكز الفكر السعودية، ومن أبرزها: تحدّي الحصول على التمويل، وتحدّي مواكبة الذكاء الاصطناعي وتسخيره والاستفادة منه.
واستعرضت ورقة برينت آليات التواصل في مراكز الفكر، والأخطاء الشائعة فيها، وأهم الممارسات الحديثة للاتصال وتبادل الخبرات، ووسائل تعزيز الصورة الذهنية للمراكز.
أما مشاركة مانديزابال فاشتملت على سرد سريع لتاريخ مراكز الفكر في الغرب، ومعاهد الدراسات الدولية، وتحدّث عن التعاون بين مراكز الفكر في العالم، وضرورة تكيّفها مع تحديات اليوم، كما اعتنى بتعداد أهم الفرص المتعلقة بمستقبل المراكز الفكرية في المملكة، وارتباطها بتحقيق رؤية 2030، وأهم التحديات السياسية والفكرية والاقتصادية التي تواجه أعمال هذه المراكز، والفرص الإبداعية المتاحة لها في الوقت الحاضر.
وجاءت مشاركة الكويليت منصبّة على عدد من العوائق التي ينبغي تجاوزها لتطوير الباحثين، وإلى مشكلات التمويل، وأهمية التعاون مع الجامعات والمراكز النظيرة.
يُذكر أنَّ المدرسة السعودية لصنّاع الفكر، التي جرى إطلاقها بهذه المناسبة، تعدّ مبادرة عملية تسعى إلى تهيئة الكفاءات البحثية والإستراتيجية، بما يسهم في تعزيز قطاع مراكز الفكر في السعودية، من أجل النهوض بهذا القطاع، بما يدعم صنّاع القراء وبِناء السياسات العامة وفق أسس علمية أصيلة.
0 تعليق