الرياض: «التواصل المعرفي» يسهم في ترجمة الأعمال السعودية إلى الصينية

الرياض: «التواصل المعرفي» يسهم في ترجمة الأعمال السعودية إلى الصينية

أعدَّ الباحث الصيني المستعرب الدكتور لي شي جيون (لطيف) بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية دراسة حول برنامج النشر المشترك بين مركز البحوث والتواصل المعرفي، ودور نشر ومؤسسات صينية، ومدى ما حققته الأعمال المترجمة من انتشار، مع خريطة لمبيعاتها، مقدِّمًا مقترحاتٍ لتفعيل الترجمة، والترويج لتلك الأعمال بشكل مؤثر.
وقدّمت الدراسة، التي وضع نتائجها في تقرير، صورةً عن الوسائل التي اتبعها مركز البحوث والتواصل المعرفي والمؤسسات الثقافية والعلمية الصينية المشاركة في مشروع النشر المشترك للإعلان عن الأعمال المترجمة، وبيعها عبر منافذ متعددِّة في البلدين، وتلمس طرائق الوصول إلى القراء المستهدفين في البلدين.
وأوضح أنَّ إجمالي عدد الكتب السعودية التي كان المركز قد أوصى بها الجانب الصيني بلغ (14) كتابًا، حتى يناير 2024، منها ستة كتب منشورة من دار إنتركونتننتال الصينية، وهي: «غراميات شارع الأعشى» للدكتورة بدرية البشر، و«العصفورية» للدكتور غازي القصيبي، و«أن تبحر نحو الأبعاد» للدكتورة خيرية السقاف، و«غفوة ذات ظهيرة» للأديب عبدالعزيز الصقعبي، و«مدن تأكل العشب» للروائي عبده خال، و«10 سيناريوهات لتطور العلاقات بين السعودية والصين» للدكتور عبدالله الفرج، وثمانية كتب منشورة من دار نشر جامعة بكين لإعداد المعلمين، وهي: «عرق وطين» للقاص عبدالرحمن الشاعر، و«ثمن التضحية» للأديب حامد الدمنهوري، و«ثقب في رداء الليل» للروائي إبراهيم الناصر الحميدان، و«تطوُّر النقود في المملكة العربية السعودية» من إعداد البنك المركزي السعودي، و«بين الحقيقة والخيال.. روائع من موروثنا الشعبي» للكاتبة فاطمة البلوي، و«غدًا أنسى» للدكتورة أمل محمد شطا، و«حمزة شحاته: قمة عرفت ولم تكتشف» للأديب عزيز ضياء، و«ماما زبيدة» للأديب عزيز ضياء؛ مشيرًا إلى أنَّ هذه الكتب السعودية المترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الصينية جاءت ضمن البرنامج التنفيذي لمشروع النشر الصيني-السعودي للأعمال الكلاسيكية والحديثة الذي وُقَّعه الجانبان الصيني والسعودي في عام 2016.
وتوصَّلت الدراسة إلى أنَّ الكتب الثلاثة المنشورة من دار نشر جامعة بكين لإعداد المعلمين: بلغ عدد المباع منها في الصين حتى وقت الدراسة كما يأتي: «ثمن التضحية» “1492 نسخة”، و«ثقب في رداء الليل» “1486 نسخة”، و«عرق وطين» “1471 نسخة”.
وأوضح أن المباع من منشورات دار الأنتر كونتننتال كما يأتي: «العصفورية» “1732 نسخة”، و«أن تبحر نحو الأبعاد» “1590 نسخة”، و«مدن تأكل العشب» “1361 نسخة”، و«غفوة ذات ظهيرة» “1283 نسخة”.
وتبين مما سبق أن أكثر ثلاثة كتب سعودية مترجمة إلى الصينية مبيعاً هي العصفورية، ثم أن تبحر نحو الأبعاد، ثم ثمن التضحية.
كما نوَّه بأن دار الأنتركونتننتال أقامت التعاون مع مركز البحوث والتواصل المعرفي، خلال معرض الرياض الدولي للكتاب عام 2022، احتفالاً خاصّاً لمشروع النشر الصيني-السعودي للأعمال الكلاسيكية والحديثة، بهدف إظهار الأعمال المنشورة منذ إطلاق المشروع.
وقد منحت دار إنتركونتننتال الصينية للنشر في احتفال «أفضل شريك خارجي» لمركز البحوث والتواصل المعرفي.
وأظهرت الدراسة وجود بعض البحوث او رسائل الماجستير والدكتوراه، التي تناولت الرواية السعودية بالاعتماد على ترجمات مشروع النشر المشترك، ومنها رسالة ماجستير حول رواية «ماما زبيدة» للأديب عزيز ضياء، ورسالة دكتوراه عن الأديب السعودي غازي القصيبي تضمّنت بابًا حول «العصفورية» على ضوء نظرية القيم الثقافية، وتناولت أطروحة دكتوراه بعنوان (الواقعية في سياق ما بعد الحداثة: دراسة روايات الروائي السعودي عبده خال) رواية «مدن تأكل العشب».
وتوصلت دراسة د. لطيف إلى أنَّ (مشروع الترجمة والنشر بين السعودية والصين يتطَّور، وأصبح يرتاد آفاقًا واسعة، ولاسيَّما بعد توقيع الجانبين على برنامج تنفيذي للتعاون في مجالات الأدب والنشر والترجمة في إطار فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب عام2023م. ومن المتوقَّع استكمال المزيد من الترجمات لإبراز الصورة الحقيقية للسعودية، وتعزيز تأثيرها الثقافي والإنساني في القراء الصينيين عبر أعمال متميِّزة تعبِّر عن المجتمع السعودي).
نُشر بتاريخ 26 رجب 1445 هـ (7 فبراير 2024م)

ترجمات إلى الصينية

المصدر: صحيفة الرياض

عن التنوع اللغوي واللغات المهددة بالاندثار

عن التنوع اللغوي واللغات المهددة بالاندثار

وزارة الثقافة تُصدر أول ثلاثة كتب ضمن إصداراتٍ
عن التنوع اللغوي واللغات المهددة بالاندثار

أعلنت وزارة الثقافة عن إصدار أول ثلاثة كتب ضمن إصدارات تتناول التنوع اللغوي وخطر الاندثار في المملكة بالتعاون مع مركز البحوث والتواصل المعرفي، وهي: كتاب التَّنوع اللُّغويّ في المملكة العربية السعودية وخطر الاندثار باللغتين العربية والإنجليزية، وكتاب اللغة المهرية في المملكة العربية السعودية: المعجم المِهري، وكتاب لهجات سُراة خولان في المملكة العربية السعودية: المعجم الخولاني.
وتسعى الوزارة من خلال هذه الإصدارات إلى الكشف عن التنوع اللغوي في المملكة، وصوْنهِ، وهو ما يظهر في تنوع اللهجات العربية، أو اللغات المنحدرة، أو المتأثرة باللغات العربية القديمة، عبر دراستهِ وتوثيقهِ وفق مناهج البحث العلمي المتَّبع، وذلك ضمن الخطط، والمشروعات التي تبنتها الوزارة لإبراز ثراء التنوع الثقافي والحضاري الذي تضمه المملكة في نطاق مساحتها الجغرافية الواسعة.
وتُسلّط هذه الإصدارات الضوء على التنوع الكبير، والذي يعد واضحاً للدارسين المتخصصين، وللناطقين باللهجات العربية بالمملكة؛ إذ يُمكن لأبناء المناطق المختلفة تمييز انتماء المتكلم إلى إحدى المناطق بمجرد الاستماع إليه، كما يُمكن لأبناء المدن والقرى المتعددة بالمنطقة الواحدة تمييز انتماء المتكلم إلى مدينته، أو قريته بمجردِ تحدثه بلهجته الأصلية، بالإضافة إلى وجود بعض اللغات واللهجات التي لا يتمكّن غير الناطقين بها من التواصل مع أبنائها بسبب الاختلاف الكبير بينها، وقد تناولت دراسات لغوية بعض اللغات، واللهجات في المملكة، لكنها لا تزال دراسات محدودة وغير كافية لوصف تنوعها الكامل.
ويأتي هذا المشروع امتداداً للجهود التي تبذلها وزارة الثقافة في ظلِ توجيهاتِ صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة؛ لرصد التنوع الثقافي الكبير في المملكة، ودراستهِ، وتوثيقهِ، ونشرهِ على نطاقٍ واسع.
نُشر بتاريخ 15 جمادى الآخرة 1445 هـ (28 ديسمبر 2023م)


المصدر: وكالة الأنباء السعودية “واس

المشهد الموريسكي.. سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث

المشهد الموريسكي.. سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث

صدرحديثًا عن مركز البحوث والتواصل المعرفي، الرياض ومؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، تونس كتاب“المشهد الموريسكي.. سرديات الطرد في الفكر الاسباني الحديث” للدكتور حسام الدين شاشية.
وجاء في تقديم المؤلف للكتاب: “تنبع الحاجة إلى هذا العمل في الأساس من رغبة للفهم؛ فهـم حالة القلق والتوتر التي يعيشها المجتمع الإسباني تجاه المسألة الموريسكية، وهـي، أيضا، رغبة أو طموح في المشاركة في كشف بعض جوانب “لعبة” الذاكرة، التاريخ، النسيان – لا يخفى على القارئ النبيـه أنـي هنا أستعير عنوان کتاب بول ريغور – وخصوصا في حالات القلق، بمعنى كيف تتعامل الذاكرة الجماعية وتحديدا المكتوبة مع الأحداث التاريخية المقلقة؟ فنحن هنا لا نبحث كيفية تذكر الفرنسيين لحدث استعادة الحلفاء لباريس مـن يـد النازيين سنة 1944م، أو كـيف تذكر الإيطاليون وكتبوا ماضيهم الإمبراطوري الروماني العظيم؟ بل نحن نحاول فهم، كيف تذكر الإسبان وكتبوا الحقبة الموريسكية، وخصوصا عملية الطرد.
مع أن الحدث كان مأساوياً مقلقا، كما هو الأمر بالنسبة إلى طرد الموريسكيين، أو سعيدا مبهجا، كحدث استعادة باريس، فإنه دائما استعمال مصطنع، أو كمـا يصـف بـول ريفور تعبير “عن اضطرابات الذاكرة المحرفة التي تعرضت للتلاعب”، بمعنى أننا نحاول في هذا الجانب من العمل الوقوف على مواضع التلاعب: خلفياته وتعبيراته.
وفي اعتقادي، إن هذا العمل قد استوفي كل ما هو مطلوب، وهذا لا يعني أننـي قـد أحطـت بـكل جزئيات جوانب المسألة وذراتها، لقد حاولت أن أقوم بعملي بوصفي مؤرخا، أي أن أقدم قطعتي الخاصة أو على حدّ تعبیر جون لويس غاديس، أن أرسم “لوحتي التاريخية الخاصة، التي يغلب عليها التكعيب والتمثيل”، فلا فائدة ولا حاجة نسخ الماضي نسخا حرفياً بكل تفاصيله”.

عرض للكتاب


تبدو الثقافة المتوسطية يافعة جميلة حتى وإن جاوز عمرها بعض آلاف السنين. غير أنّ دواعي المركزية الاوروبية لازالت تجد صعوبة جمّة في القبول بحقيقة التمازج الثقافي بين ضفتي تلك البحيرة، والحال أن ذلك هو أصدق تعبير عمّا شكّل ولا يزال هويتها على الحقيقية. فمن “دانتي إلى “سان جون دي لا كروى” يتعقّل الأوروبيون الطرافة الثقافية في توهّم نقائها المحض الذي يصرّ على نفي حضور أي مؤثرات خارجة عن المجال الاعتباري للثقافة الغربية. ويتحوّل ذلك النفي إلى أزمة ضمير كلما أثبت البحث بالبرهان والدليل تهافت القائمين على تلك “اليوتوبيا”، معترفا بحضور روافد عربية إسلامية تفنّد المزاعم المكذوبة لذلك النقاء الثقافي.
تلك من منظورنا الشخصي الاشكالية التي حاول حسام الدين شاشية التثبت من حقيقتها من خلال التصدّر لتحبير هذه العروض الشيقة لمؤلفه الجديد الممهور بـ “المشهد الموريسكي: سرديات الطرد في الفكر الاسباني الحديث”، وهو بحث ضخم وطويل النفس صدر في الأسابيع القليلة الماضية عن مركز البحوث والتواصل المعرفي بالرياض، متضمنا ثلاث محطّات زمنية كبرى، حاولت أولاها، تلك التي حملت عنوانا معبّرا مَتَحَ معناه من مقولة مشهورة: “كم يوجد في هذا العالم من أشخاص يخشون الآخرين لأنهم لا يشبهونهم”، أن يقرأ في الكتابات التبريرية لطرد الموريسكيين الموضوعة خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر في أجناسها المتنوعة (أخبار، وأشعار، وأناشيد، وروايات، ومسرحيات)، قصد فهم آليات اشتغال نوازع التبرير والاقصاء.
في حين اهتمت المحطة الثانية الموسومة في بلاغة مقتصدة بـ “ليس من السهل على أية أمة أن تكفّ عن الوجود”، بتقييم أشكال الصمود والتعافي التي أبدتها الهوية الموريسكية المنفيّة وذلك بالتعويل على تسريد ما تم خطّه من آثار حول تلك الاشكال الطريفة والمبتكرة خلال القرن الثامن عشر، سواء ضمن ما حملته عروض كتاب “أخطاء موريسكي غرناطة”، أو مؤلفات الراهبين “فرنثيسكو خيميناث” و”مالغور غارثيا نفاراو”، فضلا عن الاصداء التي خلّفتها عملية إعادة طبع تلك المدونات من تغطيات صحفية.
أُفردت بقية مضامين هذا التأليف لدراسة الأشكال المخصوصة في استدعاء الإسبان للذاكرة الموريسكية أو ما نعت بـ “عودة المطرودين”، مستهدفة السجال الحامي الذي عاينته أعمدة الصحافة، وكذا الاعمال الإبداعية أو الفنية، مسرحية كانت أو روائية، فضلا عن غضاضة الجدل الحامي الذي عاينته مؤلفات المؤرخين الإسبان الموضوعة خلال القرن التاسع عشر حول مفهومي “الفتح” و”الاسترداد”.

تساؤلات:


ولنا أن نتساءل بعد هذا التوصيف لمحتويات هذا الكتاب عن طبيعة الأبواب التي تخيّر حسام الدين شاشية تفكيك خطابها ووضعه موضع أزمة بُغية إثبات حقيقة انكار الشخصية الايبيرية الجامعة للتأثير الموريسكي؟ وإلى ما انتهى به تفكيكه الرصين لمفردات ذلك الخطاب المراوغة، قبل إعادة تركيبها والتعرّف تبعا على سياقات طرد الموريسكيين وتراجيديا ترحيلهم وتوطينهم؟
حاول مؤلِّف البت في تشكّل الرؤية التي حملها الكتّاب الإسبان حول هذا موضوع على امتداد أربعة قرون، قاصدا رسم ما وسمه تأسّيا بـ “جون لويس غاديس” بـ “لوحته التاريخية الخاصة”، موازيا وفق عبارة “بول ريكور” الرائقة بين “الفائض من الذاكرة هنا، والفائض من النسيان هناك”، في محاولة للكشف عمّا يتخفّى وراء قلق المجتمع الاسباني وتوتّره حيال المعضلة الموريسكية، ورصد مواضع التلاعب بالذاكرة وتعريّة خلفيات ذلك التلاعب أيضا.
ضمن هذا إطار خّصّص القسم الافتتاحي للخطابات الدينية التبريرية لقرار الطرد، متعرّضا إلى تأرج المصادر الإخبارية الإسبانية للقرن السادس عشر بين دواعي الانكار وضرورات القراءة في سياقات ثورات الموريسكيين بغرناطة وبلنسيّة وفق ما كشفت عنه مؤلفات “أورتادو دي ميندوثا”، و”خينيس بيراث دي هيتا” و”لويس دال مرمول كربخال”، و”أنطونيو كورال إي روخاس”، مع التشديد على سقوط مختلف تلك المعالجات في التحقير والدونية، وانعدام الثقة في تنصّر تلك الجماعات المضطهدة وسحقها الثقافي، وتعمُّد جبّ جميع ما شكل تأصيلا لشخصيتها وثقافتها العربية والإسلامية.
على أن مواقف الشعراء المعاصرين إزاء قرار الطرد لم تخرج هو أيضا من موقع العداء المعلن، لذلك غابت عنها الصور الشعرية المبتكرة، إذا ما استثنينا قصائد “غاسبار أغيلار”، تلك التي لم تخل وفي مواقع عدة من حضور إعجاب بشجاعة العربي وفروسيته. في حين سقطت بقية الأشعار في نوع من السرد المباشر للوقائع والأحداث، وغطت على شاكلة الصحف السيارة نبض المواقف الرسمية المتشدّدة للحكام ورجال الكنيسة أيضا في مناكفتهم لمن وُصِمُوا بالهراطقة وأصحاب النحل الضالة. فقد اتفقت المضامين الشعرية على تمجيد انتصارات الملوك الكاثوليك في مواجهتهم لثورات الموريسكيين بـ “البُشرات” و”الأغوار”، والوقوف في ضفّ قرار فيليب الثالث القاضي بطردهم، مع تصويرهم في ثوب الخونة، والدمويين، والكفرة المبغضين لإسبانيا وللديانة المسيحية.
والمربك أن الاعمال الروائية التي تمحورت حول مغامرات الشطار أو الصعاليك، وفي مقدمتها فريدة “ميغال دي ثرفنتس” (ت 1616م) “دون كيخوته”، وكذلك المسرحيات المعروضة خلال القرن السادس عشر وبداية القرن الذي يليه، وهي روايات غلب على جميعها الطابع الرومنسي قبل ثورة البُشرات، قبل أن يلفها الصمت ضمن عروض ما نُعت بمسرح العصر الذهبي الـمُتهيّب من إدانة المجتمع الطارد، لم تركّز من جانبها على البعد المأسوي لحدث الطرد، بحيث بقي خطابها مشُوبا بكثير من التوّرية والإبهام. وهو ما تجاوزته الأعمال المسرحية للقرن السابع عشر على غرار مسرحيات “لوبي دي فيغا” و”كالديرون دي لاباركا” في تعاملها مع معظم الشخصيات الموريسكية باعتبارها مسيحية المعتقد وإسبانية الهوى والمنبت، مع التركيز سُخرية، على غبائها الفطري، وشدة شراهتها، وضعف نجابتها في حذق اللسان الإسباني.

القسم الثاني


تعرّض القسم الثاني من كتاب المشهد المورسكي لحسام الدين شاشية إلى واقع الشتات وإلى صعوبة إحصاء عدد من طالهم النفي منهم وتوضيح أشكال انصهارهم ضمن المشهد النصراني الإسباني. وهو مشهد انتهى إلى القبول بنوع من التطبيع مع ذلك الحضور بعد أن جابهه بموجة من التهجير القسري الـمُتّسِم بمنتهى الصلف والاستباحة طوال القرن السادس عشر. وتلك حقيقة أكدتها شهادات الرحالة المغاربة، على شاكلة ما حمله مؤلف الوزير محمد الغساني “رحلة الوزير في افتكاك الأسير”، تلك التي تمت أواخر القرن السابع عشر (1690 – 1691)، وكتابات السفيرين المغربيين مهدي الغزال في رحلته الموسومة بـ “نتيجة الاجتهاد في المهادنة والجهاد”(1766 – 1767)، ومحمد بن عثمان المكناسي الذي زار إسبانيا بعد أكثر من عشر سنوات (1779 – 1780)، مُصَنِّفا حول رحلته مؤلفه الموسوم بـ “الإكسير في فكاك الأسير”.
على أن البتّ في حضور ذلك الشتات من منظور مدركات سكان إسبانيا خلال القرن الثامن عشر هو ما أثار فضول مؤلِف كتاب “المشهد الموريسكي” على الحقيقة، لذلك لجأ إلى الفهرس الرقمي للمكتبة الوطنية الاسبانية بِغرض القيام بمسح كمي أسعفه في رسم صورة تقريبية عن حجم ذلك الشتات مقارنة بما كانت عليه أوضاعه خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، وما آلت إليه الأوضاع لاحقا من قلّة اكتراث مزعومة قبل أن يحتل ذلك الشتات مجدّدا موقع الصدارة مع حلول ثلاثينات القرن التاسع عشر.
شكل هذا الوازع فرصة لمعاودة زيارة جملة من المؤلفات على غرار استعراض محتويات مجهول “أخطاء موريسكي غرناطة” الذي عكس تطورا ملحوظا في التعامل مع الغيرية الثقافية والتسامح معها إلى حد ادراج شتات تلك الغيرية ضمن جُـمـّاع ساكنة إسبانيا النصرانيين. وهي فرضيّة دعمتها مؤلفات الراهبين فرنثيسكو خيمناث، “مستعمرة التثليث في تونس”، ومالغور غرثيا نفاراو، “مهمات تحرير الأسرى في أفريقيا (1723 – 1725)”، والتي تضمنت مشاهداتهما بشمال إفريقيا ولقاءاتهما بالمستوطنين من ذوي الأصول المورسكية الإسبانية بإيالة تونس، والتنويه بتفوق أولئك معرفة وكياسة وملاطفة على مختلف مكونات ساكنة تلك الإيالة المحسوبة على المجال العثماني.
كما أن مقاربة المادة الصحفية التي يعود حضورها رسميا إلى ستينات القرن السابع عشر بخصوص نفس المسألة بالتعويل على جرد محتويات الأرصدة المحفوظة بالمكتبة الوطنية الاسبانية منذ سنة 1683 قصد استكشاف تطوّر النظرة إلى الغيرية الموريسكية، قد مكّن من ناحيته من إثبات حقيقة تطابق تلك المضامين مع ما أوردته تقارير الرحلات والمؤلفات الموضوعة في نفس الغرض، في تشديدها على شاغلين محوريين هما: تأثير قرار الطرد في التدهور الديمغرافي لساكنة إسبانيا وارتباط ذلك الفراغ بتهجيرهم القسري.
وهي حقائق أكدت عليه الأقلام التقدميّة ذات النفس الإصلاحي التحرّري، وذلك في مقابل تمسّك الصحافة الرسمية بتصوّراتها الدينية المحافظة إزاء نفس القضية المتصلة بسوء التقدير الذي صاحب إقصاء المورسكيين عن أوطانهم الأصلية.

القسم الثالث


أفرد المؤلِف للقسم الثالث من بحثه حيّزا واسعا للحديث عن “عودة المطرودين” في كتابات القرن التاسع عشر، معتبرا أن تلك العودة المتخيَّلة قد نزعت إلى انجاز عملية تطهير لذاكرة مصدومة حوّلت المعضلة الموريسكية إلى شاغل محوري توسّعت في تحليله أعمدة الصحف، كما الأعمال الإبداعية والعروض التاريخية أيضا. فقد عاشت البلاد على وقع تفكّك عالم قديم وبناء مجتمع جديد تراجعت ضمنه هيمنة الكنيسة الكاثوليكية بشكل ملحوظ لتبرز مسوغات “الأسبنة” وتتنامى مشاعر الاعتزاز بالذاتيات الإقليمية، كما هو شأن ساكنة منطقتي “الباسك” و”قطلونيا”.
وهكذا فقد تزايد الاهتمام بالمسألة الموريسكية على أعمدة الصحف تناسبا مع التحولات الطارئة على السياق التاريخي، ومراجعة قرار الطرد باعتباره خطأ تاريخيا فادحا، غالبا ما تم استدعاؤه لتفسير تراجع إسبانيا اقتصاديا وديمغرافيا وثقافيا، مع حضور تعاطف لافت مع من طالهم الطرد وأزعجتهم ملاحقة محاكم التفتيش، واعتبار الحرب التي خاضتها السلطة الملكية لاستئصالهم بوحشية وهمجية لا توصف، حربا أهلية لا حربا دينية، خرج منها الجميع خاسئا مكسورا. الشيء الذي ينهض حجّة على الانقلاب الطارئ على سردية الطرد من مجال التبرير إلى موقع الإدانة.
فقد شدّدت الآثار الأدبية والفنية على نفس السجل في التعامل مع جديد القيم، محاولة استغلال سياقات الطرد على أيام اسبانيا المتديّنة المنغلقة، قصد الإعلاء من شأن الأفكار التحرّرية والتقدّيمية والتنويريّة، على غرار ما تضمنته مسرحيات “ابن أمية أو ثورة الموريسكيين بزعامة فرناندو دي فالور” لـ “فرنثيسكو دي لا روزا (ت 1862م)”، ومسيحيون وموريسكيون” لـــ “استيباناث كالديرون” (ت 1867م)، و”سليم-المنصور [المعروف باسم كارباو] أو الموريسكيون البلنسيون” لـ “خواكين باردو” (ت 1895م) التي تمحورت أحداثها حول قصص الحبّ المستحيل، ومسرحية “أم الكرم أو طرد الموريسكيين” لـ “فيسنت بواكس” (ت 1880م) التي تعمّدت هي أيضا إحياء نفس حالات التمزق العاطفي بين المسيحيين والموريسكيين، و”طرد الموريسكيين”، لـ “خوسيه دي فاليا إي رودريغاث” (ت 1905م) التي شدّدت على ضرورة استبدال الحقد بالأخوة الصادقة والعمل على نشر قيم التسامح والقبول بالاختلاف. ولعل ما ينبغي التنويه به بهذا الصدد هو حضور تأثير واضح لأسلوب الكتابة المسرحية عند “سرفنتيس” من خلال أسلوبه الجذاب في صياغة رواية “الريكوتي وابنته” على مختلف هذه العروض الأدبية المسرحية التي تم تأليفها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

المصنفات التاريخية


بقي أن نشير إلى أن المصنفات التاريخية الموضوعة خلال نفس الفترة، لم تشذّ بدورها عن هذه العودة القوية أو “الافتتان بـعودة الموريسكيين”، وذلك على غرار ما حملته مؤلفات: “لغة الموريسكيين وآدابهم” لـ “باسكوال دي غاينغوس” الذي تم نشره سنة 1839م، و”أفكار حول ثورة الموريسكيين، وإحصاء للسكان” لـ “أوراليانو فيرنانداث-غارا إي أوربي” الصادر في غضون سنة 1840، و”التاريخ العام لإسبانيا” لـ “موديستو لافونتي” المشور سنة 1850، وكتاب “الأوضاع الاجتماعية للموريسكيين بإسبانيا” لـ “فلورنثو خانر” الصادر سنة 1857م، و”مذكرة تاريخية عن طرد الموريسكيين من إسبانيا في عهد فيليب الثالث” لـ “ماتياس سانغرادور إي فيتوراس” المنشور سنة 1859م، و”تاريخ ثورة الموريسكيين وطردهم من إسبانيا وعواقبه على سائر أقاليم المملكة” لـ “خوسي منيوث إي غفيريا” الصادر خلال ستينات نفس القرن، فضلا عن كتاب “تاريخ الهراطقة” لـ “مارثيلينو مانديث إي بيلاتو” الذي صدر في عدة أجزاء بين أواخر سبعينات وبداية ثمانينات القرن التاسع عشر.
وتُظهر المعالجة التاريخية التي حظيت بها المسألة الموريسكية تحاشي معظم دارسيها السقوط مجدّدا في التبرير والتحلّي بالاتزان والمراجعات العميقة، والقطع مع التصوّرات التي تعوّد الاخباريون تسويقها بهذا الخصوص، حتى وإن تمسّك بعضها بِنَفَسٍ محافظ يعيد القارئ إلى مربع التبرير وذلك بعد مُضيّ ما لا يقل عن ثلاثة قرون عن حصول تلك الصدمة الفاجعة.

خلاصة


ما الذي يمكن الخروج به بعد استعراض مختلف مكونات هذه العروض الدسمة المفيدة حول ما وسمه حسام الدين شاشية بـ “المشهد الموريسكي”؟
ينبغي التأكيد بداية على تطوّر مدركات ساكنة ايبيريا الكاثوليكية بخصوص من شاركوهم نفس الانتماء من بعد تورّطهم في إقصائهم لعشريات مديدة. فقد عول أولئك على دعاوى التخوين والتكفير قصد تبرير ذلك التصرّف المشين، الشيء الذي أشْرَعَ أمام وضعي أخبار ذلك الحدث الفارق من مؤرخين ومستلهميه من شعراء ومسرحيين مبدعين أيضا، بابا للتحقير والشيطنة والتقزيم لم يخل في أحايين كثيرة من تنسيب وتعديل.
ولئن شهد القرن الموالي تراجعا لتلك الحملات الـمُغرضة، مع الدفع بشكل واعي أو من دونه باتجاه التجاهل ومحو ذاكرة الطرد الصادمة، فإن أبرز الكتابات التي تعرّضت إلى نفس المسألة قد أبدت من ناحيتها قدرة على مراجعة مختلف الأفكار الخاطئة حول تلك المعضلة العويصة، دافعة نحو إتمام العديد من التعديلات التي أفادت منها كثيرا الأدبيات الصحفية كما العروض المسرحية والمعرفية الغزيرة الموضوعة بخصوص ما وسمه المؤلِف بـ “عودة الموريسكيين” خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن الذي يليه.
واعتبارا لجميع هذه التصورات فقد بدت لنا محصّلة كتاب حسام الدين شاشية الجديد شيقة ومفيدة، بحيث أتت على تطوّر مدركات الإسبان الجمعية للمسألة الموريسكية وانتقالها من لُجَاجَةِ التبرير إلى اتّزان التنسيب، مرورا بالقبول بالمراجعة والتعريف بمسار تحوّل وُجْهات نظر المدافعين على “الأسبنة” من دعاوي التمسّك المرضي بنقاء الهوية واستعصاء القبول بالغيريات، إلى إعادة الاعتبار تدريجيا لدور تلك الجماعات المنفيّة في رسم مشهد إسبانيا الحرّة وإدراج أولئك المظاليم ضمن تاريخ إسبانيا، وذلك باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من الانتماءات المتشابكة والمتضافرة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط.

إعداد: خالد وحش


المصدر: مركز الصفوة للدراسات الحضارية

واس: مركز البحوث والتواصل المعرفي يطلق مجلة بعنوان ” أوراق استشرافية “

واس: مركز البحوث والتواصل المعرفي يطلق مجلة بعنوان ” أوراق استشرافية “

أصدر مركز البحوث والتواصل المعرفي مجلة فصلية بعنوان “أوراق استشرافية”، في شهر يناير 2023م لترجمة الدراسات المستقبلية، من منطلق أن استشراف المستقبل هو التطلع الدائم إلى صورة الزمن المقبل من خلال شحذ الأذهان وتشكيل فكر مستقبلي عربي ينبع من احتياجات المجتمعات العربية.
وأوضح رئيس المركز الدكتور يحيى محمود بن جنيد في استهلال العدد الأول: أنه لما كان استشراف المستقبل وأدبياته المتداولة يأتي أغلبه من مصادر غير عربية، وجد المركز أن أفضل خدمة يمكن تقديمها للمهتمين بدراسات المستقبل في المملكة على نحو خاص والناطقين بالعربية على نحو عام، هو الارتكاز على ترجمة دراسات مستقبلية منشورة في دوريات علمية محكمة تلامس جوانب ذات فائدة، وتسهم في ترسيخ قواعد للفكر المستقبلي، مشيرًا إلى عناية بعض الدول في الوقت الراهن بتأسيس مراكز ومعاهد تخص تنمية قدرات التفكير المستقبلي وفق الخطوات التي تقود إلى استخراج رؤية تنم عما سيحدث في قادم الأزمان، سواءً فيما يتعلق بتطور البنية الحضارية، أو وقوع كوارث وأزمات مؤثرة في مسار الدولة الواحدة أو العالم.
واشتمل العدد على جملة من الدراسات المنتقاة، التي تشكل نماذج للموضوعات التي ستنشر مستقبلاً، أولها دراسة بعنوان “مستقبل صنع القرار الإستراتيجي” أعدّها روجر سبيتز، وذهب فيها إلى ضرورة تطوير القدرات البشرية بالعلم والمعرفة لمواكبة التطورالعالمي التقني.
وفي الخط الزمني للدراسات المستقبلية، استعراض لتطور الفكر المستقبلي وإشارة إلى أفلاطون والمجتمع المثالي في كتابه “الجمهورية”.
وقدمت دراسة بعنوان “علي بابا والمفتاح الذهبي” تصورًا لمستقبل التصنيع في مصر الذي يقوم على أُسس أهمها إنشاء أنموذج اقتصاد دائري لا يضر بالبيئة والموارد الطبيعية واستكشاف إمكانات المجمعات الصناعية بما يؤدي إلى تفاعل بين الشركات بمختلف أحجامها .
وركزت إحدى الدراسات على خريطة مستقبل التعليم العالي في ماليزيا، وانتهت إلى أن الأدبيات أظهرت وجود صور متسقة وحية للمستقبل في وزارة التعليم العالي مكنت المعنيين من الوصول إلى إدراك مشترك للسيناريو المستقبلي المطلوب.
وتضمن العدد دراسة عن الجغرافيا السياسية للفضاء الرقمي، والأخيرة ذات أهمية تخص المملكة العربية السعودية وعنوانها ” التحول الرقمي لمدن المملكة.
وتناول العدد مراجعة لكتاب عن “الدور القادم لبريطانيا في الشرق الأوسط بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي”.

نشر الخبر في 24 ذي القعدة 1444هـ (13 يونيو 2023م)


المصدر: واس

تشو وي ليه (عبد الجبار)*.. عالم كبير مفعم بالمشاعر الوطنية

تشو وي ليه (عبد الجبار)*.. عالم كبير مفعم بالمشاعر الوطنية

هناء لي ينغ

بعد مضي سبعين عاما ونيف على تطور قضية الترجمة في الصين منذ تأسيسها في عام 1949، أضحت الكتب والمجلات الصينية تصل إلى ما يربو على مائة وثمانين دولة ومنطقة في العالم، بأكثر من أربعين لغة، وتبث قنوات الإذاعة والتلفزة بأكثر من ستين لغة صوت الصين في العالم. خلال هذه المسيرة، قدم المترجمون مساهمات لا تمحى في هذه القضية. من أجل تكريم المترجمين الذين قدموا مساهمات جليلة وحققوا منجزات بارزة ويتميزون بأخلاق سامية وسمعة طيبة في مجال الترجمة والنشر الثقافي والتبادل الثقافي، أنشأت جمعية المترجمين الصينية في عام 2006 جائزة “الإنجاز مدى الحياة” التي تُعتبر أعلى وسام تمنحه الجمعية للمترجمين. وفي حفل افتتاح الدورة السنوية لاجتماع جمعية المترجمين الصينية لعام 2023، منحت الجمعية هذه الجائزة لأحد عشر مترجما، من بينهم البروفيسور تشو وي ليه الذي كرس حياته لخدمة الشؤون الخارجية الوطنية وإعداد الأكفاء في الدراسات العربية للصين ودفع التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية.
الانهماك في الترجمة لخدمة الأعمال الخارجية الوطنية
وُلد البروفيسور تشو وي ليه في أكتوبر عام 1941، والتحق بكلية اللغات الشرقية بجامعة بكين في عام 1960، ودرس على يد المستشرق الصيني المرموق جي شيان لين والأستاذ الكبير ما جيان (محمد مكين) والأستاذ ليو لين روي (رضوان). خلال فترة دراسته، كان تشو وي ليه حريصا على قراءة الوثائق الثقافية والتاريخية في المكتبة، وتسجيل الملاحظات أثناء الاستماع إلى محاضرات الأساتذة. بعد تخرجه في عام 1965، عمل معلما في جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، وكلّفته الجامعة باستقبال مختلف البعثات العربية والمشاركة في معرض الاستيراد والتصدير الصيني (معرض كانتون)، فاستقبل قادة الدول العربية الزائرين لشانغهاي، ورافق مسؤولي حكومة شانغهاي لزيارة أربع دول خليجية، كمترجم. في الوقت نفسه، أنجز البروفيسور تشو الترجمة والدبلجة العربية لفيلم (جسر نانجينغ على نهر اليانغتسي) وفيلم (الفتاة ذات الشعر الأبيض) وغيرهما من الأفلام الصينية منذ عام 1969.
وفي ناحية الترجمة التحريرية، أنجز ترجمة العديد من الكتب التاريخية والجغرافية مثل “تاريخ المغرب العربي) للدكتور سعد زغلول عبد الحميد في عام 1972، وجزء “الجغرافيا الطبيعية” من (السودان- دراسات عن الأحوال الطبيعية وهيكل السكان والبناء الاجتماعي) في عام 1978 و(الأرض والسكان في سيناء بمصر) في عام 1983. ومن الأعمال الأدبية التي ترجمها: رواية (الكرنك) لنجيب محفوظ في عام 1981، وكتاب (ختم القرآن) الذي صدر في عام 1980 وطبعت منه مئات الآلاف من النسخ وأعيدت طباعته في عام 2019، ورواية (رد قلبي) ليوسف السباعي في عام 1983، وفي عام 1984 قام بتنقيح ترجمة رواية (الأجنحة المتكسرة) لجبران خليل جبران على أساس النسخة المترجمة للأستاذ قوه لي. وفي عام 1982 وعام 1985 ترجم مجلدين من (فنون الشرق الأوسط) لنعمت إسماعيل علام. وفي عام 2001، أنجز ترجمة كتاب (الوطنية في عالم بلا هوية: تحديات العولمة) للدكتور حسين كامل بهاء الدين وزير التربية والتعليم المصري الأسبق، وفي عام 2005 ترجم كتاب (مفترق الطرق) لنفس المؤلف.
منذ ثمانينات القرن الماضي، دعا البروفيسور تشو وي ليه إلى دفع بناء علم الشرق الأوسط والدراسات العربية والعلوم الإسلامية في الصين. نظرا لنقص الكتب العربية والإسلامية الكلاسيكية وضعف الدراسات الأكاديمية المتراكمة في الصين، سعى إلى تكوين فرقة لترجمة ودراسة الكتب الرئيسية للثقافة العربية والحضارة الإسلامية، مع العمل على تعزيز الحوار الحضاري مع دول الشرق الأوسط.
في عام 2002، أدرج مشروع “ترجمة ودراسة الأعمال الكلاسيكية العربية” ضمن المشروعات المهمة لوزارة التعليم الصينية، وتم تكليف الدكتور قه تيه ينغ، تلميذ البروفيسور تشو وي ليه، برئاسة هذا المشروع وتنظيم الخبراء الصينيين للمشاركة فيه. في عام 2010، تولي البروفيسور تشو منصب مدير مركز أبحاث منتدى التعاون الصيني- العربي، فنظّم التبرع بالأموال لمساعدة إطلاق مشروع ترجمة الأعمال الكلاسيكية بين الصين والدول العربية. وكان من ثمار هذا العمل صدور الترجمات الصينية لعدد من أمهات الكتب العربية، منها: (مقدمة ابن خلدون) و(البخلاء) و(مقامات بديع الزمان الهمذاني) و(المعلقات السبع)، بالإضافة إلى (الصين في عيون المصريين) و(في شانغهاي.. معجزة بودونغ) و(العلاقات المصرية- الصينية في 60 عاما). وصدر في السعودية كتاب (رضوان ليو لين روي- من أعلام العربية في الصين) و(محمد مكين.. علّامة اللغة العربية الصيني)، بالإضافة إلى الكتب حول مبادرة “الحزام والطريق” وتاريخ تعليم اللغة العربية في الصين، والتي تتم ترجمتها حاليا.
من أجل تعليم العربية
عمل البروفيسور تشو ثمانية وخمسين عاما في تدريس اللغة العربية، فقد كرس حياته لتدريس لغة الضاد ودراسات الشرق الأوسط. في عام 1978، سافر إلى القاهرة لإكمال دراسته، وكانت هذه أول مرة يخرج فيها من الصين. قال إنه كان شغوفا بمحاضرات الأساتذة الكبار وحديثه مع الأدباء العرب وخاصة الأدباء المصريين. عندما عاد إلى الصين في عام 1980، لم يكن في حقيبته بوزن ستين كيلوغراما غير الكتب العربية. وبعد عودته إلى جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، استفاد في عمله التعليمي والبحثي من تجربة الدراسة في القاهرة، فشغل مناصب مدير مكتب أبحاث اللغة العربية والأدب العربي، ونائب عميد وعميد كلية اللغة العربية، ورئيس مركز أبحاث العلوم الاجتماعية التابع للجامعة، ورئيس معهد دراسات الشرق الأوسط بالجامعة.
وباعتباره قائد الفرع العلمي للغة العربية والأدب العربي بجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، مكّن كلية اللغة العربية بجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي من الحصول على الموافقة على إعداد طلاب الماجستير في عام 1987 وإعداد طلاب الدكتوراه في عام 1998، وتم اختيار هذا الفرع العلمي كفرع علمي مهم لمدينة شانغهاي في عام 2001 وعام 2007، واختارته وزارة التعليم الصينية كفرع علمي مهم على المستوى الوطني في ديسمبر عام 2017.
في عام 1985، تولى البروفيسور تشو منصب نائب رئيس جمعية أبحاث تعليم اللغة العربية الصينية، ثم نائب مدير لجنة إرشاد تعليم اللغات الأجنبية الصينية ورئيس فرقة إرشاد تعليم اللغة العربية لهذه اللجنة من تسعينات القرن الماضي إلى عام 2002، وأشرف على وضع الطبعة الأولى لـ(برنامج تعليم اللغة العربية في الجامعات والمعاهد الصينية) في عام 2000؛ وفي ثمانينات القرن الماضي، عندما أنشأت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية جمعية بحوث الأدب العربي في الصين، تولى البروفيسور تشو منصب نائب رئيس الجمعية لبضع عشرة سنة. في الوقت نفسه، حقق ثمارا أكاديمية وافرة، مثل مشروعات الأبحاث العلمية والأطروحات الأكاديمية والمؤلفات الاختصاصية والكتب المرجعية، فهو رئيس تحرير (قاموس الأدب العربي المعاصر) وأنجز بمفرده (المعجم الميسّر.. صيني- عربي).
جدير بالذكر أن البروفيسور تشو أشرف على تحرير مجلة (العالم العربي) التي تحول اسمها إلى (دراسات العالم العربي) في عام 2006. قال: “لا ينبغي أن يقتصر تعليم اللغة العربية على تربية المهارة اللغوية وتعليم الأدب العربي، بل يجب أن يتسع إلى التعريف بأحوال الدول العربية المختلفة بل وحضاراتها الرائعة عبر منظومة المواد التدريسية الجديدة، لتلبية متطلبات العصر الجديد.” أضاف أنه ألف العديد من الكتب حول الشرق الأوسط، منها: (نظرة على الشرق الأوسط من الشرق الأقصى) و(الدراسات الإستراتيجية حول الثقافات الدولية) و(مجتمعات وثقافات الشرق الأوسط الحديث)، ويرغب في بناء علم الشرق الأوسط ذي الخصائص الصينية، لأن الصين اليوم ليست متفرجة بل دولة فاعلة على المسرح الدولي، وخاصة في شؤون الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وتعمل لتطوير العلاقات الثنائية وبناء التحديثات للجانبين. فيجب أن تهتم الصين بإعداد العلماء الصينيين الذين يعرفون مفهوم حوكمة الدولة وإدارة شؤونها للصين والظروف الصينية وبناء التحديثات في الصين ليقوموا بالبحث والتبادل الإنساني والتعاون الثقافي مع الجانب العربي، تمحورا حول المبادرات الثلاث للرئيس شي جين بيغ حول الأمن والتنمية والحضارة. وقد بدأ النقاش بشأن بناء علم الشرق الأوسط ذي الخصائص الصينية في ندوات مختلفة بالصين، ويجب على الجامعات والمعاهد أن تعمل على الأبحاث الأساسية له، بينما يتحمل العلماء الصينيون مهمة الأبحاث التطبيقية لطرح الآراء عبر المراكز الفكرية المختلفة على أساس المعرفة العميقة عن الدول العربية وبناء نظام الخطاب الصيني في العالم.
في عام 1987، منحت مدينة شانغهاي البروفيسور تشو لقب “عامل التعليم الممتاز”، وفي عام 1991 أثنى عليه مجلس الدولة الصيني ومنحه العلاوة الخاصة، وفي عام 1987، منحته شانغهاي لقب “العامل الممتاز”، وفي عام 2005 كرمته وزارة التعليم العالى والبحث العلمى المصرية، وفي عام 2006 كرمته وزارة الثقافة المصرية، وفي عام 2008 نال جائزة من مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي عام 2010 منحته جمعية المترجمين الصينية جائزة “الخبير المتميز في الترجمة الأجنبية”. وفي عام 2014، حصل على جائزة “المساهمات الشخصية” في الدورة السابعة لجائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة في السعودية.
دفع التبادل بين الصين والدول العربية
البروفيسور تشو صاحب مسيرة مهنية زاخرة بالإنجازات، وشغل العديد من المناصب، ومنها: عضو قسم الأبحاث الشاملة للجنة العلوم الاجتماعية بوزارة التعليم الصينية، وعضو مجلس جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان العربية، ومستشار الجمعية الصينية لبحوث الشرق الأوسط، ومستشار جمعية العلاقات الدولية بشانغهاي، وعضو مراسل لمؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي بالأردن وعضو مراسل لمجمع اللغة العربية بالقاهرة وباحث شرفي بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالسعودية.
المنصب الذي يعتز به البروفيسور تشو أكثر من غيره، هو مدير لجنة الخبراء لمركز الدراسات الصيني- العربي للإصلاح والتنمية، الذي دعا الرئيس شي جين بينغ إلى إنشائه. يُعد المركز قاعدة فكرية عالمية المستوى ومنصة دولية لتبادل الأفكار تجمع بين وظائف الدورات التدريبية وإعداد الأكفاء والدراسات والبحوث والتواصل الإنساني والثقافي تحت إدارة جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي وبرعاية وزارة الخارجية الصينية ووزارة التعليم الصينية وحكومة بلدية شانغهاي. قال البروفيسور تشو: “أشار الرئيس شي في كلمته بالاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني- العربي في بكين في عام 2018، إلى أن المركز يعمل بشكل جيّد وقد أصبح منصة فكرية لتبادل الخبرات في مجال الإصلاح والانفتاح وحكم البلاد وإدارتها، بين الجانبين الصيني والعربي. وفي المستقبل، سيصبح المركز أكبر وأقوى لتقديم المزيد من الدعم الفكري للجانبين. وأشار الرئيس شي في القمة الصينية- العربية الأولى، إلى أن الجانب الصيني سيواصل تعظيم دور مركز الدراسات الصيني- العربي للإصلاح والتنمية، بغية تعزيز الحوار بين الحضارات وتدعيم تبادل الخبرات في مجال الحوكمة والإدارة. وعندما سمعت كلام الرئيس هذا، تأثرت وسعدت كثيرا، فهذا العمل أكبر شرف في حياتي، فلم أتوقف عن العمل في المركز حتى اليوم.”
قال البروفيسور تشو: “الآن، وقد جاوز عمري ثمانين سنة، يشرفني أن أحصل على جائزة الإنجاز مدى الحياة. أشكر وطني العظيم الذي دخل العصر الجديد لبناء التحديثات، والأساتذة في جامعتي الأم جامعة بكين، وكل القادة والزملاء والطلاب خلال عملي في جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي”.
في حيثيات منح جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة للبروفيسور تشو وي ليه، جاء أنه من أبرز المترجمين العلماء، إذ ظل يهتم بتقديم الثقافة العربية والإسلامية إلى الصين، ويبذل جهودا دؤوبة في مجال الترجمة لبناء جسر التبادل الحضاري بين الصين والدول العربية.
مسيرة البروفيسور تشو قصة ملهمة للمترجمين الصينيين لحثهم على التعلم من الجيل القديم من المترجمين وتوارث وإذكاء روح التفاني لهم، وتحسين المهارة في الترجمة وبذل الجهود لتزدهر قضية الترجمة في الصين.

*مستشار بمركز البحوث والتواصل المعرفي

  • نص المقال بصيغة PDF

المصدر: الصين اليوم