“المشهد الموريسكي: سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث”

“المشهد الموريسكي: سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث”

حسام الدين شاشية

صدر عن مركز البحوث والتواصل المعرفي في الرياض، بالاشتراك مع مُؤسسة التميمي في تونس كتاب “المشهد الموريسكي: سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث” لأستاذ التاريخ الحديث بجامعة تونس حسام الدين شاشية، تقديم أستاذ التاريخ الثقافي لطفي عيسى.
يتكون الكتاب من 640 صفحة تنقسم إلى مُقدمة، وثلاثة أبواب وخاتمة، ثم قسم للملاحق وقسم لعرض الوثائق الأرشيفية، إضافةً إلى المصادر والمراجع التي اعتمدها الكاتب في عمله الضخم.
يقول الكاتب في مُقدمة الكتاب: إنَّ الهدف الأساسي الذي وضعهُ لعمله أن يُقدِّم للقارئ قراءةً واضحة لتطور الفكر الإسباني تجاه المسألة الموريسكية خلال الفترة الحديثة، في إطار محاولته تفسير تزايد الاهتمام بالتاريخ الموريسكي في شبه الجزيرة الإيبيرية، أو الإجابة عن سؤال: ما الذي يجعل إسبانيا الرسمية وغير الرسمية، إسبانيا الأكاديمية، الفنية، الأدبية والصحفيَّة إلخ، تستحضر هذا التاريخ بطُرق مُختلفة وبشكل مُتواتر، وخصوصًا خلال العشريتين الأخيرتين؟
يرى المُؤلف أنَّ تزايد الاهتمام بالتاريخ المُوريسكي، يُعبِّر بالضرورة عن حاجة، فإذا ما قوربت المسألة من زاوية بحثية وصحفية، فهي حاجة للمعرفة، ومن ثَمَّ، إقرار عكسي بنقص المعرفة. أما إذا ما قورب الموضوع من زاوية فنية وأدبية، فهي حاجة لبعث أو خلق حالة أو تصوُّر أدبي وفني للموضوع، للقولبة الجمالية والدرامية. أمَّا من وجهة النظر الاجتماعية والثقافية والسياسية، فهي، حسب رأيه، تعبيرٌ عن حالة القلق والتوتر التي عاشها ويعيشها المُجتمع الإسباني تجاه المسألة الموريسكية.
بالنسبة إلى عنوان الكتاب الأساسي؛ أي “المشهد الموريسكي”، فقد استوحاه الكاتب كما يذكر من كتاب جون لويس غاديس “المشهد التاريخي”، الذي حاول الإجابة عن سؤال: “كيف يرسم المُؤرخون خارطة الماضي؟”، في حين أنَّ عمل شاشية يُحاول الإجابة عن سؤال: كيف رسم الكُتَّاب الإسبان خلال الفترة الحديثة خارطة المسألة الموريسكية؟
اعتمد الكاتب في عمله على مُقاربة راوحت بين استعمال المنهج التأويلي والمنهج الكمي، حسب المُعطيات والنصوص التي توفرت لهُ عن كُلِّ فترة، فالعمل ثريٌّ بالرسوم البيانية والإحصائيات المتنوعة، التي ساهمت في فهم أنساق التطور وتنوعاتها.
اتبع شاشية في مُستوى التخطيط، تخطيطًا كرونولوجيّاً، يقوم على ثلاثة فصول، متفاوتة من حيث الطول، نتيجةً لتفاوت المواد المصدرية من فترة إلى أخرى، حيث عنون الفصل الأول من الكتاب بـ: “كم يوجد في هذا العالم من أشخاص يخشون الآخرين لأنهم لا يشبهونهم!”: كتابات القرنين السادس عشر والسابع عشر”، أين دُرست المسألة الموريسكية في الكتابات الإسبانية للقرنين السادس عشر والسابع عشر، عندما كان حضور الموريسكيين ماديّاً وعلنيّاً بشبه الجزيرة الإيبيرية (حتى نهاية الطرد سنة 1614م). في هذا الفصل، قام بقراءة واسعة في عدد مهم من الكتابات الإسبانية المتنوعة، أي من منظور كتابات ما يُعرف بـ: “التأريخ التبريري “Historiografía apologética، الذي كان معظم مؤلفيه من رجال الدين، ثم الكتابات الإخبارية، فالأشعار والأناشيد، وتلتها الكتابات الروائية والمسرحية.
أما في الفصل الثاني المعنون بـ: “ليس من السهل على أيِّ أمة أن تكُف عن الوجود”: كتابات القرن الثامن عشر”، فقد حاول الكاتب، بدايةً، الوقوف على الحضور الموريسكي في إسبانيا ما بعد الطرد، ثم عالج الكتابات الإسبانية التي تناولت الموضوع الموريسكي، وجاءت في شكل تقارير، يوميات وكتابات صحفية، كما حاول أيضًا الوقوف على رمزيات إعادة طبع الأعمال التي عالجت المسألة الموريسكية في هذا القرن.
وعنون الفصل الثالث بـ: ” المطرودون يعودون!: كتابات القرن التاسع عشر”، وهو الفصل الأطول (جاوز 200 صفحة)، بالنظر إلى تنوُّع التأليف وازدياده حول الموضوع الموريسكي في القرن التاسع عشر، حيث حاول شاشية، بدايةً، تقديم لمحة تاريخية عامة عن إسبانيا في هذا القرن، ثم درس حضور المسألة الموريسكية في الكتابات الصحفية، فالكتابات المسرحية والروائية، وختامًا الكتابات “التاريخية”.
ونقرأ في خاتمة التقديم الذي خصَّ به أ. لطفي عيسى الكتاب ما يأتي: “وبالجملة تبدو محصّلة البحث الشيِّق والمفيد لحسام الدين شاشية حول تطوّر مدركات الإسبان للمسألة الموريسكية، وانتقال تمثلاتهم الجمعية من لُجَاجَةِ التبرير إلى اتّزان التنسيب، مرورًا بالتطبيع والمراجعة، قيمة وجد مفيدة في التعرُّف إلى مسار تحوّل وجهات نظر المدافعين على “الأسبنة” من دعاوي التمسّك المرضي بنقاء الهوية واستعصاء القبول بالغيريات، إلى إعادة الاعتبار تدريجيّاً لدور تلك الجماعات المنفيّة في رسم مشهد إسبانيا الحرة، وإدراج أولئك المظاليم ضمن تاريخ إسبانيا باعتبارهم جزءًا لا يتجزَّأ من الانتماءات المتشابكة والمتظافرة بين ضفَّتي البحر الأبيض المتوسط”.


* حسام الدين شاشية هو أستاذ وأكاديمي تونسي، مُتخصص في التاريخ الموريسكي والعلاقات بين شبه الجزيرة الإيبيرية وبلاد المغرب خلال الفترة الحديثة، لهُ عدد من المنشورات باللغات العربية والإسبانية والإنجليزية. حائز على جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في قسمي تحقيق المخطوطات والدراسات لسنة 2015م، التي يقدِّمها المركز العربي للأدب الجغرافي-ارتياد الآفاق، وجائزة الباحث الشاب في التاريخ لسنة 2020م المُقدمة من بيت الحكمة بتونس.
“التواصل المعرفي” في مؤتمر حواري صيني عربي

“التواصل المعرفي” في مؤتمر حواري صيني عربي

شارك مركز البحوث والتواصل المعرفي في الدورة الرابعة لمؤتمر “الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب العربية” التي فاق عددها الـ 70 حزبًا، إضافة إلى مشاركة عدد كبير من مراكز بحوث من مختلف الدول العربية، وذلك في المُدَّة من 13 – 18 يوليو 2023م، بمدينة ينتشوان في مقاطعة نيغيشيا الصينية.
مثل المركز الأستاذ فهد المنيعي، الذي ألقى كلمة في الندوة الفرعية الأولى بعنوان “أهمية التبادل الحضاري بين الصين والعالم العربي”، وقد شارك أيضًا في الفعالية الترويجية حول تجربة نيغيشيا بكلمة رئيسة لاقت استحسان الحضور.
وجرى على هامش المؤتمر عَقدُ عَددٍ من حلقات النقاش والندوات للتداول بشأن أبرز القضايا المشتركة بين الصين والعالم العربي، وآليات التعاون وسبل التنسيق بين الجانبين.
وأكدّ البيان الختامي للمؤتمر أهمية توثيق العلاقات الصينية العربية، ونقلها من المستوى الدبلوماسي إلى المستوى الشعبي للتعبير عن قِدم هذه العلاقة التاريخية، وضرورة التعاون والعمل في بناء مشروع الحزام والطريق؛ تحقيقاً للتبادل الحضاري والتكامل المعرفي، وكذلك تنسيق المواقف فيما يتعلَّق بالقضايا الكبرى؛ بما يخدم مصالح كل الشعوب، ويحفظ أمنها، واستقلالها، وسيادتها.
وأجرى ممثل المركز لقاءات مع عدد من المسؤولين الصينيين، أبرزهم وزير دائرة العلاقات الخارجية باللجنة المركزية للحزب الشيوعي السيد ليو جيانتشاو، ومساعده السيد تشو روي، وأمين لجنة الحزب الشيوعي الصيني في منطقة نيغيشيا ورئيس اللجنة الدائمة لمجلس نواب الشعب السيد ليانغ يانشون، ومدير إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا لدائرة العلاقات الخارجية السيد جياو تشيشين، إذ جرى تأكيد أهمية استمرار التواصل بين الطرفين من خلال التشاور، وتبادل الزيارات، وإطلاق برامج التعاون والمبادرات المشتركة.

China-and-Arab-parties-2
China-and-Arab-parties-3
China-and-Arab-parties-4
China-and-Arab-parties
العمل يدًا بيد لبناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية

العمل يدًا بيد لبناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية

فهد صالح المنيعي

يجمع بين الدول العربية والصين أخوة وشراكة وثيقة وصداقة عميقة، ويتجلَّى ذلك في الدعم المتبادل بينهما، سواء في حشد الجهود لمكافحة وباء كوفيد- 19 أو في مواجهة الأزمات السياسية العالمية، وتمسكهما بالعدالة والإنصاف، وتعزيزهما العلاقات بينهما باطراد في ظل الظروف غير المؤاتية، والعمل يداً بيد لبناء رابطة المصير المشترك للمستقبل الجميل في العصر الجديد بينهما.

مكافحة الوباء جنبًا الى جنب

منذ تفشي وباء كوفيد- 19، أسس الجانبان العربي والصيني تعاونًا نموذجيّاً في تبادل المساعدة لتوفير الموارد، والاشتراك في التجارب، وبحث وتطوير اللقاح، وهذا مثّل نموذجًا مثاليّاً لتبادل المساعدة والتغلب المشترك على الصعوبات.
عندما واجه الشعب الصيني أكبر صعوبة في مكافحة الوباء، بادرت الدول العربية إلى بذل كل ما في وسعها لدعم الصين. وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أول زعيم أجنبي اتصل بالرئيس شي جين بينغ للتعبير عن دعمه للصين في مكافحة كوفيد- 19؛ وأرسل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبعوثة خاصة إلى الصين للتعبير عن دعم أعمال الصين في مكافحة الوباء؛ وأعلنت الخطوط الجوية القطرية فتح “الممر الأخضر” لمواد مكافحة الوباء بالاستفادة من شبكة الخطوط الجوية العالمية لها، وتوفير خدمات مجانية لنقل مواد مكافحة الوباء التي حصلت عليها سفارات الصين في الخارج؛ وكانت الإمارات أول دولة قبلت اختبار المرحلة الثالثة للقاحات الصينية في الخارج.
في يونيو عام 2021م، تحقق الإنتاج المحلي للقاحات الصينية المضادة لكوفيد- 19 في مصر، أما بعد تفشي الوباء في الدول العربية، فقامت حكومة الصين مرات عدّة بتقديم الدعم، الأمر الذي يجسّد الصداقة العميقة بين الصين والدول العربية تجسيدًا حيّاً.

الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين

في يونيو عام 2014م، ألقى الرئيس شي جين بينغ كلمة مهمَّة في حفل افتتاح الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني-العربي، ووجّه الدعوة إلى الدول العربية للمشاركة في بناء “الحزام والطريق”.
في يوليو عام 2018م، أعلن الرئيس شي جين بينغ في حفل افتتاح الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني-العربي أن الجانبين الصيني والعربي أقاما الشراكة الاستراتيجية، ودعا إلى بناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية؛ لدفع بناء رابطة المصير المشترك للبشرية معًا، الأمر الذي حظي باستجابة حارة من الدول العربية.
بفضل الجهود المشتركة بين الجانبين الصيني والعربي، شهدت الشراكة الإستراتيجية العربية – الصينية المتسمة بالتعاون الشامل والتنمية المشتركة والموجهة نحو المستقبل مزيدًا من التعميق.
كما يُستكمل بناء منتدى التعاون العربي – الصيني يومًا بعد يوم، وتعمل مختلف الآليات في إطار المنتدى بفاعلية عالية وانتظام، واتفق الجانبان على عقد القمة العربية – الصينية الأولى في عام 2022م.
ووقعت الصين اتفاقيات تعاون بشأن “الحزام والطريق” مع تسع عشرة دولة عربية وجامعة الدول العربية، وأقامت شراكة التعاون الاستراتيجي مع اثنتي عشرة دولة عربية وجامعة الدول العربية.
وظهرت في الأماكن التي نُفذ فيها بناء “الحزام والطريق” ملامح متنوعة وملونة ومفعمة بالحيوية والنشاط، حيث تحققت منجزات مثمرة في التعاون في مجالات الطاقة، ومنشآت البنية التحتية، والتجارة، والاستثمار، وغيرها، ويشهد التعاون في تكنولوجيا الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والفضاء والطيران وغيرها من التقنيات العالية والحديثة تطوّرًا مزدهرًا.

التعاون المشترك

تبنَّت الدول العربية والصين نموذجًا يحتذى به للتعاون معًأ من أجل تعزيز السلام. ظلَّت الصين تهتمُّ بالشرق الأوسط، وتحترم سيادة دول المنطقة، واستقلالها، وسلامة أراضيها، وتدعم جهود شعوب المنطقة في استكشاف طرائق تنموية بإرادتها المستقلة، وتسام بحكمتها في صيانة الاستقرار وتعزيز السلام في المنطقة، وبذل جهود الوساطة لتسوية النزاعات.
في النصف الأول من العام الجاري (2023م)، قام مستشار الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي بجولتين في الشرق الأوسط، وطرح نيابة عن الجانب الصيني مبادرات ودعوات؛ مثل: المبادرة ذات النقاط الخمس بشأن تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، والرؤية الصينية ذات النقاط الأربع لحل المسألة السورية، والأفكار ذات النقاط الثلاث لتنفيذ “حل الدولتين” بين فلسطين وإسرائيل.
نظم الجانب الصيني ندوة الشخصيات الفلسطينية والإسرائيلية المحبة للسلام، ودعم جهود دول المنطقة في إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، ودعا إلى إنشاء منصَّة الحوار المتعددة الأطراف في منطقة الخليج.
ولاقت المبادرات والدعوات تقديرًا إيجابيّاً، واستجابة واسعة النطاق من دول المنطقة، وبخاصة الدول العربية، اذ إنها تركز في جذور الاضطرابات الطويلة الأمد في الشرق الأوسط، وتوفر سبلاً قابلة التنفيذ لحل القضايا الساخنة.

الخاتمة

من أجل بناء رابطة المصير المشترك للمستقبل في العصر الجديد بين الدول العربية والصين يدًا بيد، يجب على الجانبين العربي والصيني أن يكونا شريكين يعملان على التعاون والفوز المشترك والتنمية المشتركة.
وينبغي مواصلة دفع البناء المشترك لـ “الحزام والطريق “، وبعض المشروعات العملاقة مثل “رؤية2030 في السعودية” وكذلك غيرها من المشروعات في باقي الدول العربية، والعمل على تآزر إستراتيجيات التنمية بين الجانبين، وتوسيع التعاون في الطاقة ومنشآت البنية التحتية، والاتصالات، والطاقة النووية، والأقمار الاصطناعية الفضائية، والطاقة الجديدة، وغيرها من المجالات، ومواصلة إكمال إجراءات تسهيل التجارة والاستثمار، والاستكشاف المستمر للقوة الكامنة في التعاون في مجالات جديدة وبأشكال مبتكرة.

فهد صالح المنيعي، مدير وحدة الصين والشرق الأقصى بمركز البحوث والتواصل المعرفي.

• ورقة قدمها الباحث في “المؤتمر الأكاديمي الدولي للعلاقات الصينية العربية وبناء مجتمع المصير المشترك الصيني (يوليو 2023م)
واس: مركز البحوث والتواصل المعرفي يطلق مجلة بعنوان ” أوراق استشرافية “

واس: مركز البحوث والتواصل المعرفي يطلق مجلة بعنوان ” أوراق استشرافية “

أصدر مركز البحوث والتواصل المعرفي مجلة فصلية بعنوان “أوراق استشرافية”، في شهر يناير 2023م لترجمة الدراسات المستقبلية، من منطلق أن استشراف المستقبل هو التطلع الدائم إلى صورة الزمن المقبل من خلال شحذ الأذهان وتشكيل فكر مستقبلي عربي ينبع من احتياجات المجتمعات العربية.
وأوضح رئيس المركز الدكتور يحيى محمود بن جنيد في استهلال العدد الأول: أنه لما كان استشراف المستقبل وأدبياته المتداولة يأتي أغلبه من مصادر غير عربية، وجد المركز أن أفضل خدمة يمكن تقديمها للمهتمين بدراسات المستقبل في المملكة على نحو خاص والناطقين بالعربية على نحو عام، هو الارتكاز على ترجمة دراسات مستقبلية منشورة في دوريات علمية محكمة تلامس جوانب ذات فائدة، وتسهم في ترسيخ قواعد للفكر المستقبلي، مشيرًا إلى عناية بعض الدول في الوقت الراهن بتأسيس مراكز ومعاهد تخص تنمية قدرات التفكير المستقبلي وفق الخطوات التي تقود إلى استخراج رؤية تنم عما سيحدث في قادم الأزمان، سواءً فيما يتعلق بتطور البنية الحضارية، أو وقوع كوارث وأزمات مؤثرة في مسار الدولة الواحدة أو العالم.
واشتمل العدد على جملة من الدراسات المنتقاة، التي تشكل نماذج للموضوعات التي ستنشر مستقبلاً، أولها دراسة بعنوان “مستقبل صنع القرار الإستراتيجي” أعدّها روجر سبيتز، وذهب فيها إلى ضرورة تطوير القدرات البشرية بالعلم والمعرفة لمواكبة التطورالعالمي التقني.
وفي الخط الزمني للدراسات المستقبلية، استعراض لتطور الفكر المستقبلي وإشارة إلى أفلاطون والمجتمع المثالي في كتابه “الجمهورية”.
وقدمت دراسة بعنوان “علي بابا والمفتاح الذهبي” تصورًا لمستقبل التصنيع في مصر الذي يقوم على أُسس أهمها إنشاء أنموذج اقتصاد دائري لا يضر بالبيئة والموارد الطبيعية واستكشاف إمكانات المجمعات الصناعية بما يؤدي إلى تفاعل بين الشركات بمختلف أحجامها .
وركزت إحدى الدراسات على خريطة مستقبل التعليم العالي في ماليزيا، وانتهت إلى أن الأدبيات أظهرت وجود صور متسقة وحية للمستقبل في وزارة التعليم العالي مكنت المعنيين من الوصول إلى إدراك مشترك للسيناريو المستقبلي المطلوب.
وتضمن العدد دراسة عن الجغرافيا السياسية للفضاء الرقمي، والأخيرة ذات أهمية تخص المملكة العربية السعودية وعنوانها ” التحول الرقمي لمدن المملكة.
وتناول العدد مراجعة لكتاب عن “الدور القادم لبريطانيا في الشرق الأوسط بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي”.

نشر الخبر في 24 ذي القعدة 1444هـ (13 يونيو 2023م)


المصدر: واس

تشو وي ليه (عبد الجبار)*.. عالم كبير مفعم بالمشاعر الوطنية

تشو وي ليه (عبد الجبار)*.. عالم كبير مفعم بالمشاعر الوطنية

هناء لي ينغ

بعد مضي سبعين عاما ونيف على تطور قضية الترجمة في الصين منذ تأسيسها في عام 1949، أضحت الكتب والمجلات الصينية تصل إلى ما يربو على مائة وثمانين دولة ومنطقة في العالم، بأكثر من أربعين لغة، وتبث قنوات الإذاعة والتلفزة بأكثر من ستين لغة صوت الصين في العالم. خلال هذه المسيرة، قدم المترجمون مساهمات لا تمحى في هذه القضية. من أجل تكريم المترجمين الذين قدموا مساهمات جليلة وحققوا منجزات بارزة ويتميزون بأخلاق سامية وسمعة طيبة في مجال الترجمة والنشر الثقافي والتبادل الثقافي، أنشأت جمعية المترجمين الصينية في عام 2006 جائزة “الإنجاز مدى الحياة” التي تُعتبر أعلى وسام تمنحه الجمعية للمترجمين. وفي حفل افتتاح الدورة السنوية لاجتماع جمعية المترجمين الصينية لعام 2023، منحت الجمعية هذه الجائزة لأحد عشر مترجما، من بينهم البروفيسور تشو وي ليه الذي كرس حياته لخدمة الشؤون الخارجية الوطنية وإعداد الأكفاء في الدراسات العربية للصين ودفع التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية.
الانهماك في الترجمة لخدمة الأعمال الخارجية الوطنية
وُلد البروفيسور تشو وي ليه في أكتوبر عام 1941، والتحق بكلية اللغات الشرقية بجامعة بكين في عام 1960، ودرس على يد المستشرق الصيني المرموق جي شيان لين والأستاذ الكبير ما جيان (محمد مكين) والأستاذ ليو لين روي (رضوان). خلال فترة دراسته، كان تشو وي ليه حريصا على قراءة الوثائق الثقافية والتاريخية في المكتبة، وتسجيل الملاحظات أثناء الاستماع إلى محاضرات الأساتذة. بعد تخرجه في عام 1965، عمل معلما في جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، وكلّفته الجامعة باستقبال مختلف البعثات العربية والمشاركة في معرض الاستيراد والتصدير الصيني (معرض كانتون)، فاستقبل قادة الدول العربية الزائرين لشانغهاي، ورافق مسؤولي حكومة شانغهاي لزيارة أربع دول خليجية، كمترجم. في الوقت نفسه، أنجز البروفيسور تشو الترجمة والدبلجة العربية لفيلم (جسر نانجينغ على نهر اليانغتسي) وفيلم (الفتاة ذات الشعر الأبيض) وغيرهما من الأفلام الصينية منذ عام 1969.
وفي ناحية الترجمة التحريرية، أنجز ترجمة العديد من الكتب التاريخية والجغرافية مثل “تاريخ المغرب العربي) للدكتور سعد زغلول عبد الحميد في عام 1972، وجزء “الجغرافيا الطبيعية” من (السودان- دراسات عن الأحوال الطبيعية وهيكل السكان والبناء الاجتماعي) في عام 1978 و(الأرض والسكان في سيناء بمصر) في عام 1983. ومن الأعمال الأدبية التي ترجمها: رواية (الكرنك) لنجيب محفوظ في عام 1981، وكتاب (ختم القرآن) الذي صدر في عام 1980 وطبعت منه مئات الآلاف من النسخ وأعيدت طباعته في عام 2019، ورواية (رد قلبي) ليوسف السباعي في عام 1983، وفي عام 1984 قام بتنقيح ترجمة رواية (الأجنحة المتكسرة) لجبران خليل جبران على أساس النسخة المترجمة للأستاذ قوه لي. وفي عام 1982 وعام 1985 ترجم مجلدين من (فنون الشرق الأوسط) لنعمت إسماعيل علام. وفي عام 2001، أنجز ترجمة كتاب (الوطنية في عالم بلا هوية: تحديات العولمة) للدكتور حسين كامل بهاء الدين وزير التربية والتعليم المصري الأسبق، وفي عام 2005 ترجم كتاب (مفترق الطرق) لنفس المؤلف.
منذ ثمانينات القرن الماضي، دعا البروفيسور تشو وي ليه إلى دفع بناء علم الشرق الأوسط والدراسات العربية والعلوم الإسلامية في الصين. نظرا لنقص الكتب العربية والإسلامية الكلاسيكية وضعف الدراسات الأكاديمية المتراكمة في الصين، سعى إلى تكوين فرقة لترجمة ودراسة الكتب الرئيسية للثقافة العربية والحضارة الإسلامية، مع العمل على تعزيز الحوار الحضاري مع دول الشرق الأوسط.
في عام 2002، أدرج مشروع “ترجمة ودراسة الأعمال الكلاسيكية العربية” ضمن المشروعات المهمة لوزارة التعليم الصينية، وتم تكليف الدكتور قه تيه ينغ، تلميذ البروفيسور تشو وي ليه، برئاسة هذا المشروع وتنظيم الخبراء الصينيين للمشاركة فيه. في عام 2010، تولي البروفيسور تشو منصب مدير مركز أبحاث منتدى التعاون الصيني- العربي، فنظّم التبرع بالأموال لمساعدة إطلاق مشروع ترجمة الأعمال الكلاسيكية بين الصين والدول العربية. وكان من ثمار هذا العمل صدور الترجمات الصينية لعدد من أمهات الكتب العربية، منها: (مقدمة ابن خلدون) و(البخلاء) و(مقامات بديع الزمان الهمذاني) و(المعلقات السبع)، بالإضافة إلى (الصين في عيون المصريين) و(في شانغهاي.. معجزة بودونغ) و(العلاقات المصرية- الصينية في 60 عاما). وصدر في السعودية كتاب (رضوان ليو لين روي- من أعلام العربية في الصين) و(محمد مكين.. علّامة اللغة العربية الصيني)، بالإضافة إلى الكتب حول مبادرة “الحزام والطريق” وتاريخ تعليم اللغة العربية في الصين، والتي تتم ترجمتها حاليا.
من أجل تعليم العربية
عمل البروفيسور تشو ثمانية وخمسين عاما في تدريس اللغة العربية، فقد كرس حياته لتدريس لغة الضاد ودراسات الشرق الأوسط. في عام 1978، سافر إلى القاهرة لإكمال دراسته، وكانت هذه أول مرة يخرج فيها من الصين. قال إنه كان شغوفا بمحاضرات الأساتذة الكبار وحديثه مع الأدباء العرب وخاصة الأدباء المصريين. عندما عاد إلى الصين في عام 1980، لم يكن في حقيبته بوزن ستين كيلوغراما غير الكتب العربية. وبعد عودته إلى جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، استفاد في عمله التعليمي والبحثي من تجربة الدراسة في القاهرة، فشغل مناصب مدير مكتب أبحاث اللغة العربية والأدب العربي، ونائب عميد وعميد كلية اللغة العربية، ورئيس مركز أبحاث العلوم الاجتماعية التابع للجامعة، ورئيس معهد دراسات الشرق الأوسط بالجامعة.
وباعتباره قائد الفرع العلمي للغة العربية والأدب العربي بجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، مكّن كلية اللغة العربية بجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي من الحصول على الموافقة على إعداد طلاب الماجستير في عام 1987 وإعداد طلاب الدكتوراه في عام 1998، وتم اختيار هذا الفرع العلمي كفرع علمي مهم لمدينة شانغهاي في عام 2001 وعام 2007، واختارته وزارة التعليم الصينية كفرع علمي مهم على المستوى الوطني في ديسمبر عام 2017.
في عام 1985، تولى البروفيسور تشو منصب نائب رئيس جمعية أبحاث تعليم اللغة العربية الصينية، ثم نائب مدير لجنة إرشاد تعليم اللغات الأجنبية الصينية ورئيس فرقة إرشاد تعليم اللغة العربية لهذه اللجنة من تسعينات القرن الماضي إلى عام 2002، وأشرف على وضع الطبعة الأولى لـ(برنامج تعليم اللغة العربية في الجامعات والمعاهد الصينية) في عام 2000؛ وفي ثمانينات القرن الماضي، عندما أنشأت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية جمعية بحوث الأدب العربي في الصين، تولى البروفيسور تشو منصب نائب رئيس الجمعية لبضع عشرة سنة. في الوقت نفسه، حقق ثمارا أكاديمية وافرة، مثل مشروعات الأبحاث العلمية والأطروحات الأكاديمية والمؤلفات الاختصاصية والكتب المرجعية، فهو رئيس تحرير (قاموس الأدب العربي المعاصر) وأنجز بمفرده (المعجم الميسّر.. صيني- عربي).
جدير بالذكر أن البروفيسور تشو أشرف على تحرير مجلة (العالم العربي) التي تحول اسمها إلى (دراسات العالم العربي) في عام 2006. قال: “لا ينبغي أن يقتصر تعليم اللغة العربية على تربية المهارة اللغوية وتعليم الأدب العربي، بل يجب أن يتسع إلى التعريف بأحوال الدول العربية المختلفة بل وحضاراتها الرائعة عبر منظومة المواد التدريسية الجديدة، لتلبية متطلبات العصر الجديد.” أضاف أنه ألف العديد من الكتب حول الشرق الأوسط، منها: (نظرة على الشرق الأوسط من الشرق الأقصى) و(الدراسات الإستراتيجية حول الثقافات الدولية) و(مجتمعات وثقافات الشرق الأوسط الحديث)، ويرغب في بناء علم الشرق الأوسط ذي الخصائص الصينية، لأن الصين اليوم ليست متفرجة بل دولة فاعلة على المسرح الدولي، وخاصة في شؤون الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وتعمل لتطوير العلاقات الثنائية وبناء التحديثات للجانبين. فيجب أن تهتم الصين بإعداد العلماء الصينيين الذين يعرفون مفهوم حوكمة الدولة وإدارة شؤونها للصين والظروف الصينية وبناء التحديثات في الصين ليقوموا بالبحث والتبادل الإنساني والتعاون الثقافي مع الجانب العربي، تمحورا حول المبادرات الثلاث للرئيس شي جين بيغ حول الأمن والتنمية والحضارة. وقد بدأ النقاش بشأن بناء علم الشرق الأوسط ذي الخصائص الصينية في ندوات مختلفة بالصين، ويجب على الجامعات والمعاهد أن تعمل على الأبحاث الأساسية له، بينما يتحمل العلماء الصينيون مهمة الأبحاث التطبيقية لطرح الآراء عبر المراكز الفكرية المختلفة على أساس المعرفة العميقة عن الدول العربية وبناء نظام الخطاب الصيني في العالم.
في عام 1987، منحت مدينة شانغهاي البروفيسور تشو لقب “عامل التعليم الممتاز”، وفي عام 1991 أثنى عليه مجلس الدولة الصيني ومنحه العلاوة الخاصة، وفي عام 1987، منحته شانغهاي لقب “العامل الممتاز”، وفي عام 2005 كرمته وزارة التعليم العالى والبحث العلمى المصرية، وفي عام 2006 كرمته وزارة الثقافة المصرية، وفي عام 2008 نال جائزة من مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي عام 2010 منحته جمعية المترجمين الصينية جائزة “الخبير المتميز في الترجمة الأجنبية”. وفي عام 2014، حصل على جائزة “المساهمات الشخصية” في الدورة السابعة لجائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة في السعودية.
دفع التبادل بين الصين والدول العربية
البروفيسور تشو صاحب مسيرة مهنية زاخرة بالإنجازات، وشغل العديد من المناصب، ومنها: عضو قسم الأبحاث الشاملة للجنة العلوم الاجتماعية بوزارة التعليم الصينية، وعضو مجلس جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان العربية، ومستشار الجمعية الصينية لبحوث الشرق الأوسط، ومستشار جمعية العلاقات الدولية بشانغهاي، وعضو مراسل لمؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي بالأردن وعضو مراسل لمجمع اللغة العربية بالقاهرة وباحث شرفي بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالسعودية.
المنصب الذي يعتز به البروفيسور تشو أكثر من غيره، هو مدير لجنة الخبراء لمركز الدراسات الصيني- العربي للإصلاح والتنمية، الذي دعا الرئيس شي جين بينغ إلى إنشائه. يُعد المركز قاعدة فكرية عالمية المستوى ومنصة دولية لتبادل الأفكار تجمع بين وظائف الدورات التدريبية وإعداد الأكفاء والدراسات والبحوث والتواصل الإنساني والثقافي تحت إدارة جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي وبرعاية وزارة الخارجية الصينية ووزارة التعليم الصينية وحكومة بلدية شانغهاي. قال البروفيسور تشو: “أشار الرئيس شي في كلمته بالاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني- العربي في بكين في عام 2018، إلى أن المركز يعمل بشكل جيّد وقد أصبح منصة فكرية لتبادل الخبرات في مجال الإصلاح والانفتاح وحكم البلاد وإدارتها، بين الجانبين الصيني والعربي. وفي المستقبل، سيصبح المركز أكبر وأقوى لتقديم المزيد من الدعم الفكري للجانبين. وأشار الرئيس شي في القمة الصينية- العربية الأولى، إلى أن الجانب الصيني سيواصل تعظيم دور مركز الدراسات الصيني- العربي للإصلاح والتنمية، بغية تعزيز الحوار بين الحضارات وتدعيم تبادل الخبرات في مجال الحوكمة والإدارة. وعندما سمعت كلام الرئيس هذا، تأثرت وسعدت كثيرا، فهذا العمل أكبر شرف في حياتي، فلم أتوقف عن العمل في المركز حتى اليوم.”
قال البروفيسور تشو: “الآن، وقد جاوز عمري ثمانين سنة، يشرفني أن أحصل على جائزة الإنجاز مدى الحياة. أشكر وطني العظيم الذي دخل العصر الجديد لبناء التحديثات، والأساتذة في جامعتي الأم جامعة بكين، وكل القادة والزملاء والطلاب خلال عملي في جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي”.
في حيثيات منح جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة للبروفيسور تشو وي ليه، جاء أنه من أبرز المترجمين العلماء، إذ ظل يهتم بتقديم الثقافة العربية والإسلامية إلى الصين، ويبذل جهودا دؤوبة في مجال الترجمة لبناء جسر التبادل الحضاري بين الصين والدول العربية.
مسيرة البروفيسور تشو قصة ملهمة للمترجمين الصينيين لحثهم على التعلم من الجيل القديم من المترجمين وتوارث وإذكاء روح التفاني لهم، وتحسين المهارة في الترجمة وبذل الجهود لتزدهر قضية الترجمة في الصين.

*مستشار بمركز البحوث والتواصل المعرفي

  • نص المقال بصيغة PDF

المصدر: الصين اليوم