يجمع بين الدول العربية والصين أخوة وشراكة وثيقة وصداقة عميقة، ويتجلَّى ذلك في الدعم المتبادل بينهما، سواء في حشد الجهود لمكافحة وباء كوفيد- 19 أو في مواجهة الأزمات السياسية العالمية، وتمسكهما بالعدالة والإنصاف، وتعزيزهما العلاقات بينهما باطراد في ظل الظروف غير المؤاتية، والعمل يداً بيد لبناء رابطة المصير المشترك للمستقبل الجميل في العصر الجديد بينهما.
مكافحة الوباء جنبًا الى جنب
منذ تفشي وباء كوفيد- 19، أسس الجانبان العربي والصيني تعاونًا نموذجيّاً في تبادل المساعدة لتوفير الموارد، والاشتراك في التجارب، وبحث وتطوير اللقاح، وهذا مثّل نموذجًا مثاليّاً لتبادل المساعدة والتغلب المشترك على الصعوبات. عندما واجه الشعب الصيني أكبر صعوبة في مكافحة الوباء، بادرت الدول العربية إلى بذل كل ما في وسعها لدعم الصين. وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أول زعيم أجنبي اتصل بالرئيس شي جين بينغ للتعبير عن دعمه للصين في مكافحة كوفيد- 19؛ وأرسل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبعوثة خاصة إلى الصين للتعبير عن دعم أعمال الصين في مكافحة الوباء؛ وأعلنت الخطوط الجوية القطرية فتح “الممر الأخضر” لمواد مكافحة الوباء بالاستفادة من شبكة الخطوط الجوية العالمية لها، وتوفير خدمات مجانية لنقل مواد مكافحة الوباء التي حصلت عليها سفارات الصين في الخارج؛ وكانت الإمارات أول دولة قبلت اختبار المرحلة الثالثة للقاحات الصينية في الخارج. في يونيو عام 2021م، تحقق الإنتاج المحلي للقاحات الصينية المضادة لكوفيد- 19 في مصر، أما بعد تفشي الوباء في الدول العربية، فقامت حكومة الصين مرات عدّة بتقديم الدعم، الأمر الذي يجسّد الصداقة العميقة بين الصين والدول العربية تجسيدًا حيّاً.
الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين
في يونيو عام 2014م، ألقى الرئيس شي جين بينغ كلمة مهمَّة في حفل افتتاح الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني-العربي، ووجّه الدعوة إلى الدول العربية للمشاركة في بناء “الحزام والطريق”. في يوليو عام 2018م، أعلن الرئيس شي جين بينغ في حفل افتتاح الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني-العربي أن الجانبين الصيني والعربي أقاما الشراكة الاستراتيجية، ودعا إلى بناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية؛ لدفع بناء رابطة المصير المشترك للبشرية معًا، الأمر الذي حظي باستجابة حارة من الدول العربية. بفضل الجهود المشتركة بين الجانبين الصيني والعربي، شهدت الشراكة الإستراتيجية العربية – الصينية المتسمة بالتعاون الشامل والتنمية المشتركة والموجهة نحو المستقبل مزيدًا من التعميق. كما يُستكمل بناء منتدى التعاون العربي – الصيني يومًا بعد يوم، وتعمل مختلف الآليات في إطار المنتدى بفاعلية عالية وانتظام، واتفق الجانبان على عقد القمة العربية – الصينية الأولى في عام 2022م. ووقعت الصين اتفاقيات تعاون بشأن “الحزام والطريق” مع تسع عشرة دولة عربية وجامعة الدول العربية، وأقامت شراكة التعاون الاستراتيجي مع اثنتي عشرة دولة عربية وجامعة الدول العربية. وظهرت في الأماكن التي نُفذ فيها بناء “الحزام والطريق” ملامح متنوعة وملونة ومفعمة بالحيوية والنشاط، حيث تحققت منجزات مثمرة في التعاون في مجالات الطاقة، ومنشآت البنية التحتية، والتجارة، والاستثمار، وغيرها، ويشهد التعاون في تكنولوجيا الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والفضاء والطيران وغيرها من التقنيات العالية والحديثة تطوّرًا مزدهرًا.
التعاون المشترك
تبنَّت الدول العربية والصين نموذجًا يحتذى به للتعاون معًأ من أجل تعزيز السلام. ظلَّت الصين تهتمُّ بالشرق الأوسط، وتحترم سيادة دول المنطقة، واستقلالها، وسلامة أراضيها، وتدعم جهود شعوب المنطقة في استكشاف طرائق تنموية بإرادتها المستقلة، وتسام بحكمتها في صيانة الاستقرار وتعزيز السلام في المنطقة، وبذل جهود الوساطة لتسوية النزاعات. في النصف الأول من العام الجاري (2023م)، قام مستشار الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي بجولتين في الشرق الأوسط، وطرح نيابة عن الجانب الصيني مبادرات ودعوات؛ مثل: المبادرة ذات النقاط الخمس بشأن تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، والرؤية الصينية ذات النقاط الأربع لحل المسألة السورية، والأفكار ذات النقاط الثلاث لتنفيذ “حل الدولتين” بين فلسطين وإسرائيل. نظم الجانب الصيني ندوة الشخصيات الفلسطينية والإسرائيلية المحبة للسلام، ودعم جهود دول المنطقة في إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، ودعا إلى إنشاء منصَّة الحوار المتعددة الأطراف في منطقة الخليج. ولاقت المبادرات والدعوات تقديرًا إيجابيّاً، واستجابة واسعة النطاق من دول المنطقة، وبخاصة الدول العربية، اذ إنها تركز في جذور الاضطرابات الطويلة الأمد في الشرق الأوسط، وتوفر سبلاً قابلة التنفيذ لحل القضايا الساخنة.
الخاتمة
من أجل بناء رابطة المصير المشترك للمستقبل في العصر الجديد بين الدول العربية والصين يدًا بيد، يجب على الجانبين العربي والصيني أن يكونا شريكين يعملان على التعاون والفوز المشترك والتنمية المشتركة. وينبغي مواصلة دفع البناء المشترك لـ “الحزام والطريق “، وبعض المشروعات العملاقة مثل “رؤية2030 في السعودية” وكذلك غيرها من المشروعات في باقي الدول العربية، والعمل على تآزر إستراتيجيات التنمية بين الجانبين، وتوسيع التعاون في الطاقة ومنشآت البنية التحتية، والاتصالات، والطاقة النووية، والأقمار الاصطناعية الفضائية، والطاقة الجديدة، وغيرها من المجالات، ومواصلة إكمال إجراءات تسهيل التجارة والاستثمار، والاستكشاف المستمر للقوة الكامنة في التعاون في مجالات جديدة وبأشكال مبتكرة.
فهد صالح المنيعي، مدير وحدة الصين والشرق الأقصى بمركز البحوث والتواصل المعرفي.
• ورقة قدمها الباحث في “المؤتمر الأكاديمي الدولي للعلاقات الصينية العربية وبناء مجتمع المصير المشترك الصيني (يوليو 2023م)
صدرحديثًا عن مركز البحوث والتواصل المعرفي، الرياض ومؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، تونس كتاب“المشهد الموريسكي.. سرديات الطرد في الفكر الاسباني الحديث” للدكتور حسام الدين شاشية. وجاء في تقديم المؤلف للكتاب: “تنبع الحاجة إلى هذا العمل في الأساس من رغبة للفهم؛ فهـم حالة القلق والتوتر التي يعيشها المجتمع الإسباني تجاه المسألة الموريسكية، وهـي، أيضا، رغبة أو طموح في المشاركة في كشف بعض جوانب “لعبة” الذاكرة، التاريخ، النسيان – لا يخفى على القارئ النبيـه أنـي هنا أستعير عنوان کتاب بول ريغور – وخصوصا في حالات القلق، بمعنى كيف تتعامل الذاكرة الجماعية وتحديدا المكتوبة مع الأحداث التاريخية المقلقة؟ فنحن هنا لا نبحث كيفية تذكر الفرنسيين لحدث استعادة الحلفاء لباريس مـن يـد النازيين سنة 1944م، أو كـيف تذكر الإيطاليون وكتبوا ماضيهم الإمبراطوري الروماني العظيم؟ بل نحن نحاول فهم، كيف تذكر الإسبان وكتبوا الحقبة الموريسكية، وخصوصا عملية الطرد. مع أن الحدث كان مأساوياً مقلقا، كما هو الأمر بالنسبة إلى طرد الموريسكيين، أو سعيدا مبهجا، كحدث استعادة باريس، فإنه دائما استعمال مصطنع، أو كمـا يصـف بـول ريفور تعبير “عن اضطرابات الذاكرة المحرفة التي تعرضت للتلاعب”، بمعنى أننا نحاول في هذا الجانب من العمل الوقوف على مواضع التلاعب: خلفياته وتعبيراته. وفي اعتقادي، إن هذا العمل قد استوفي كل ما هو مطلوب، وهذا لا يعني أننـي قـد أحطـت بـكل جزئيات جوانب المسألة وذراتها، لقد حاولت أن أقوم بعملي بوصفي مؤرخا، أي أن أقدم قطعتي الخاصة أو على حدّ تعبیر جون لويس غاديس، أن أرسم “لوحتي التاريخية الخاصة، التي يغلب عليها التكعيب والتمثيل”، فلا فائدة ولا حاجة نسخ الماضي نسخا حرفياً بكل تفاصيله”.
عرض للكتاب
تبدو الثقافة المتوسطية يافعة جميلة حتى وإن جاوز عمرها بعض آلاف السنين. غير أنّ دواعي المركزية الاوروبية لازالت تجد صعوبة جمّة في القبول بحقيقة التمازج الثقافي بين ضفتي تلك البحيرة، والحال أن ذلك هو أصدق تعبير عمّا شكّل ولا يزال هويتها على الحقيقية. فمن “دانتي إلى “سان جون دي لا كروى” يتعقّل الأوروبيون الطرافة الثقافية في توهّم نقائها المحض الذي يصرّ على نفي حضور أي مؤثرات خارجة عن المجال الاعتباري للثقافة الغربية. ويتحوّل ذلك النفي إلى أزمة ضمير كلما أثبت البحث بالبرهان والدليل تهافت القائمين على تلك “اليوتوبيا”، معترفا بحضور روافد عربية إسلامية تفنّد المزاعم المكذوبة لذلك النقاء الثقافي. تلك من منظورنا الشخصي الاشكالية التي حاول حسام الدين شاشية التثبت من حقيقتها من خلال التصدّر لتحبير هذه العروض الشيقة لمؤلفه الجديد الممهور بـ “المشهد الموريسكي: سرديات الطرد في الفكر الاسباني الحديث”، وهو بحث ضخم وطويل النفس صدر في الأسابيع القليلة الماضية عن مركز البحوث والتواصل المعرفي بالرياض، متضمنا ثلاث محطّات زمنية كبرى، حاولت أولاها، تلك التي حملت عنوانا معبّرا مَتَحَ معناه من مقولة مشهورة: “كم يوجد في هذا العالم من أشخاص يخشون الآخرين لأنهم لا يشبهونهم”، أن يقرأ في الكتابات التبريرية لطرد الموريسكيين الموضوعة خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر في أجناسها المتنوعة (أخبار، وأشعار، وأناشيد، وروايات، ومسرحيات)، قصد فهم آليات اشتغال نوازع التبرير والاقصاء. في حين اهتمت المحطة الثانية الموسومة في بلاغة مقتصدة بـ “ليس من السهل على أية أمة أن تكفّ عن الوجود”، بتقييم أشكال الصمود والتعافي التي أبدتها الهوية الموريسكية المنفيّة وذلك بالتعويل على تسريد ما تم خطّه من آثار حول تلك الاشكال الطريفة والمبتكرة خلال القرن الثامن عشر، سواء ضمن ما حملته عروض كتاب “أخطاء موريسكي غرناطة”، أو مؤلفات الراهبين “فرنثيسكو خيميناث” و”مالغور غارثيا نفاراو”، فضلا عن الاصداء التي خلّفتها عملية إعادة طبع تلك المدونات من تغطيات صحفية. أُفردت بقية مضامين هذا التأليف لدراسة الأشكال المخصوصة في استدعاء الإسبان للذاكرة الموريسكية أو ما نعت بـ “عودة المطرودين”، مستهدفة السجال الحامي الذي عاينته أعمدة الصحافة، وكذا الاعمال الإبداعية أو الفنية، مسرحية كانت أو روائية، فضلا عن غضاضة الجدل الحامي الذي عاينته مؤلفات المؤرخين الإسبان الموضوعة خلال القرن التاسع عشر حول مفهومي “الفتح” و”الاسترداد”.
تساؤلات:
ولنا أن نتساءل بعد هذا التوصيف لمحتويات هذا الكتاب عن طبيعة الأبواب التي تخيّر حسام الدين شاشية تفكيك خطابها ووضعه موضع أزمة بُغية إثبات حقيقة انكار الشخصية الايبيرية الجامعة للتأثير الموريسكي؟ وإلى ما انتهى به تفكيكه الرصين لمفردات ذلك الخطاب المراوغة، قبل إعادة تركيبها والتعرّف تبعا على سياقات طرد الموريسكيين وتراجيديا ترحيلهم وتوطينهم؟ حاول مؤلِّف البت في تشكّل الرؤية التي حملها الكتّاب الإسبان حول هذا موضوع على امتداد أربعة قرون، قاصدا رسم ما وسمه تأسّيا بـ “جون لويس غاديس” بـ “لوحته التاريخية الخاصة”، موازيا وفق عبارة “بول ريكور” الرائقة بين “الفائض من الذاكرة هنا، والفائض من النسيان هناك”، في محاولة للكشف عمّا يتخفّى وراء قلق المجتمع الاسباني وتوتّره حيال المعضلة الموريسكية، ورصد مواضع التلاعب بالذاكرة وتعريّة خلفيات ذلك التلاعب أيضا. ضمن هذا إطار خّصّص القسم الافتتاحي للخطابات الدينية التبريرية لقرار الطرد، متعرّضا إلى تأرج المصادر الإخبارية الإسبانية للقرن السادس عشر بين دواعي الانكار وضرورات القراءة في سياقات ثورات الموريسكيين بغرناطة وبلنسيّة وفق ما كشفت عنه مؤلفات “أورتادو دي ميندوثا”، و”خينيس بيراث دي هيتا” و”لويس دال مرمول كربخال”، و”أنطونيو كورال إي روخاس”، مع التشديد على سقوط مختلف تلك المعالجات في التحقير والدونية، وانعدام الثقة في تنصّر تلك الجماعات المضطهدة وسحقها الثقافي، وتعمُّد جبّ جميع ما شكل تأصيلا لشخصيتها وثقافتها العربية والإسلامية. على أن مواقف الشعراء المعاصرين إزاء قرار الطرد لم تخرج هو أيضا من موقع العداء المعلن، لذلك غابت عنها الصور الشعرية المبتكرة، إذا ما استثنينا قصائد “غاسبار أغيلار”، تلك التي لم تخل وفي مواقع عدة من حضور إعجاب بشجاعة العربي وفروسيته. في حين سقطت بقية الأشعار في نوع من السرد المباشر للوقائع والأحداث، وغطت على شاكلة الصحف السيارة نبض المواقف الرسمية المتشدّدة للحكام ورجال الكنيسة أيضا في مناكفتهم لمن وُصِمُوا بالهراطقة وأصحاب النحل الضالة. فقد اتفقت المضامين الشعرية على تمجيد انتصارات الملوك الكاثوليك في مواجهتهم لثورات الموريسكيين بـ “البُشرات” و”الأغوار”، والوقوف في ضفّ قرار فيليب الثالث القاضي بطردهم، مع تصويرهم في ثوب الخونة، والدمويين، والكفرة المبغضين لإسبانيا وللديانة المسيحية. والمربك أن الاعمال الروائية التي تمحورت حول مغامرات الشطار أو الصعاليك، وفي مقدمتها فريدة “ميغال دي ثرفنتس” (ت 1616م) “دون كيخوته”، وكذلك المسرحيات المعروضة خلال القرن السادس عشر وبداية القرن الذي يليه، وهي روايات غلب على جميعها الطابع الرومنسي قبل ثورة البُشرات، قبل أن يلفها الصمت ضمن عروض ما نُعت بمسرح العصر الذهبي الـمُتهيّب من إدانة المجتمع الطارد، لم تركّز من جانبها على البعد المأسوي لحدث الطرد، بحيث بقي خطابها مشُوبا بكثير من التوّرية والإبهام. وهو ما تجاوزته الأعمال المسرحية للقرن السابع عشر على غرار مسرحيات “لوبي دي فيغا” و”كالديرون دي لاباركا” في تعاملها مع معظم الشخصيات الموريسكية باعتبارها مسيحية المعتقد وإسبانية الهوى والمنبت، مع التركيز سُخرية، على غبائها الفطري، وشدة شراهتها، وضعف نجابتها في حذق اللسان الإسباني.
القسم الثاني
تعرّض القسم الثاني من كتاب المشهد المورسكي لحسام الدين شاشية إلى واقع الشتات وإلى صعوبة إحصاء عدد من طالهم النفي منهم وتوضيح أشكال انصهارهم ضمن المشهد النصراني الإسباني. وهو مشهد انتهى إلى القبول بنوع من التطبيع مع ذلك الحضور بعد أن جابهه بموجة من التهجير القسري الـمُتّسِم بمنتهى الصلف والاستباحة طوال القرن السادس عشر. وتلك حقيقة أكدتها شهادات الرحالة المغاربة، على شاكلة ما حمله مؤلف الوزير محمد الغساني “رحلة الوزير في افتكاك الأسير”، تلك التي تمت أواخر القرن السابع عشر (1690 – 1691)، وكتابات السفيرين المغربيين مهدي الغزال في رحلته الموسومة بـ “نتيجة الاجتهاد في المهادنة والجهاد”(1766 – 1767)، ومحمد بن عثمان المكناسي الذي زار إسبانيا بعد أكثر من عشر سنوات (1779 – 1780)، مُصَنِّفا حول رحلته مؤلفه الموسوم بـ “الإكسير في فكاك الأسير”. على أن البتّ في حضور ذلك الشتات من منظور مدركات سكان إسبانيا خلال القرن الثامن عشر هو ما أثار فضول مؤلِف كتاب “المشهد الموريسكي” على الحقيقة، لذلك لجأ إلى الفهرس الرقمي للمكتبة الوطنية الاسبانية بِغرض القيام بمسح كمي أسعفه في رسم صورة تقريبية عن حجم ذلك الشتات مقارنة بما كانت عليه أوضاعه خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، وما آلت إليه الأوضاع لاحقا من قلّة اكتراث مزعومة قبل أن يحتل ذلك الشتات مجدّدا موقع الصدارة مع حلول ثلاثينات القرن التاسع عشر. شكل هذا الوازع فرصة لمعاودة زيارة جملة من المؤلفات على غرار استعراض محتويات مجهول “أخطاء موريسكي غرناطة” الذي عكس تطورا ملحوظا في التعامل مع الغيرية الثقافية والتسامح معها إلى حد ادراج شتات تلك الغيرية ضمن جُـمـّاع ساكنة إسبانيا النصرانيين. وهي فرضيّة دعمتها مؤلفات الراهبين فرنثيسكو خيمناث، “مستعمرة التثليث في تونس”، ومالغور غرثيا نفاراو، “مهمات تحرير الأسرى في أفريقيا (1723 – 1725)”، والتي تضمنت مشاهداتهما بشمال إفريقيا ولقاءاتهما بالمستوطنين من ذوي الأصول المورسكية الإسبانية بإيالة تونس، والتنويه بتفوق أولئك معرفة وكياسة وملاطفة على مختلف مكونات ساكنة تلك الإيالة المحسوبة على المجال العثماني. كما أن مقاربة المادة الصحفية التي يعود حضورها رسميا إلى ستينات القرن السابع عشر بخصوص نفس المسألة بالتعويل على جرد محتويات الأرصدة المحفوظة بالمكتبة الوطنية الاسبانية منذ سنة 1683 قصد استكشاف تطوّر النظرة إلى الغيرية الموريسكية، قد مكّن من ناحيته من إثبات حقيقة تطابق تلك المضامين مع ما أوردته تقارير الرحلات والمؤلفات الموضوعة في نفس الغرض، في تشديدها على شاغلين محوريين هما: تأثير قرار الطرد في التدهور الديمغرافي لساكنة إسبانيا وارتباط ذلك الفراغ بتهجيرهم القسري. وهي حقائق أكدت عليه الأقلام التقدميّة ذات النفس الإصلاحي التحرّري، وذلك في مقابل تمسّك الصحافة الرسمية بتصوّراتها الدينية المحافظة إزاء نفس القضية المتصلة بسوء التقدير الذي صاحب إقصاء المورسكيين عن أوطانهم الأصلية.
القسم الثالث
أفرد المؤلِف للقسم الثالث من بحثه حيّزا واسعا للحديث عن “عودة المطرودين” في كتابات القرن التاسع عشر، معتبرا أن تلك العودة المتخيَّلة قد نزعت إلى انجاز عملية تطهير لذاكرة مصدومة حوّلت المعضلة الموريسكية إلى شاغل محوري توسّعت في تحليله أعمدة الصحف، كما الأعمال الإبداعية والعروض التاريخية أيضا. فقد عاشت البلاد على وقع تفكّك عالم قديم وبناء مجتمع جديد تراجعت ضمنه هيمنة الكنيسة الكاثوليكية بشكل ملحوظ لتبرز مسوغات “الأسبنة” وتتنامى مشاعر الاعتزاز بالذاتيات الإقليمية، كما هو شأن ساكنة منطقتي “الباسك” و”قطلونيا”. وهكذا فقد تزايد الاهتمام بالمسألة الموريسكية على أعمدة الصحف تناسبا مع التحولات الطارئة على السياق التاريخي، ومراجعة قرار الطرد باعتباره خطأ تاريخيا فادحا، غالبا ما تم استدعاؤه لتفسير تراجع إسبانيا اقتصاديا وديمغرافيا وثقافيا، مع حضور تعاطف لافت مع من طالهم الطرد وأزعجتهم ملاحقة محاكم التفتيش، واعتبار الحرب التي خاضتها السلطة الملكية لاستئصالهم بوحشية وهمجية لا توصف، حربا أهلية لا حربا دينية، خرج منها الجميع خاسئا مكسورا. الشيء الذي ينهض حجّة على الانقلاب الطارئ على سردية الطرد من مجال التبرير إلى موقع الإدانة. فقد شدّدت الآثار الأدبية والفنية على نفس السجل في التعامل مع جديد القيم، محاولة استغلال سياقات الطرد على أيام اسبانيا المتديّنة المنغلقة، قصد الإعلاء من شأن الأفكار التحرّرية والتقدّيمية والتنويريّة، على غرار ما تضمنته مسرحيات “ابن أمية أو ثورة الموريسكيين بزعامة فرناندو دي فالور” لـ “فرنثيسكو دي لا روزا (ت 1862م)”، ومسيحيون وموريسكيون” لـــ “استيباناث كالديرون” (ت 1867م)، و”سليم-المنصور [المعروف باسم كارباو] أو الموريسكيون البلنسيون” لـ “خواكين باردو” (ت 1895م) التي تمحورت أحداثها حول قصص الحبّ المستحيل، ومسرحية “أم الكرم أو طرد الموريسكيين” لـ “فيسنت بواكس” (ت 1880م) التي تعمّدت هي أيضا إحياء نفس حالات التمزق العاطفي بين المسيحيين والموريسكيين، و”طرد الموريسكيين”، لـ “خوسيه دي فاليا إي رودريغاث” (ت 1905م) التي شدّدت على ضرورة استبدال الحقد بالأخوة الصادقة والعمل على نشر قيم التسامح والقبول بالاختلاف. ولعل ما ينبغي التنويه به بهذا الصدد هو حضور تأثير واضح لأسلوب الكتابة المسرحية عند “سرفنتيس” من خلال أسلوبه الجذاب في صياغة رواية “الريكوتي وابنته” على مختلف هذه العروض الأدبية المسرحية التي تم تأليفها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
المصنفات التاريخية
بقي أن نشير إلى أن المصنفات التاريخية الموضوعة خلال نفس الفترة، لم تشذّ بدورها عن هذه العودة القوية أو “الافتتان بـعودة الموريسكيين”، وذلك على غرار ما حملته مؤلفات: “لغة الموريسكيين وآدابهم” لـ “باسكوال دي غاينغوس” الذي تم نشره سنة 1839م، و”أفكار حول ثورة الموريسكيين، وإحصاء للسكان” لـ “أوراليانو فيرنانداث-غارا إي أوربي” الصادر في غضون سنة 1840، و”التاريخ العام لإسبانيا” لـ “موديستو لافونتي” المشور سنة 1850، وكتاب “الأوضاع الاجتماعية للموريسكيين بإسبانيا” لـ “فلورنثو خانر” الصادر سنة 1857م، و”مذكرة تاريخية عن طرد الموريسكيين من إسبانيا في عهد فيليب الثالث” لـ “ماتياس سانغرادور إي فيتوراس” المنشور سنة 1859م، و”تاريخ ثورة الموريسكيين وطردهم من إسبانيا وعواقبه على سائر أقاليم المملكة” لـ “خوسي منيوث إي غفيريا” الصادر خلال ستينات نفس القرن، فضلا عن كتاب “تاريخ الهراطقة” لـ “مارثيلينو مانديث إي بيلاتو” الذي صدر في عدة أجزاء بين أواخر سبعينات وبداية ثمانينات القرن التاسع عشر. وتُظهر المعالجة التاريخية التي حظيت بها المسألة الموريسكية تحاشي معظم دارسيها السقوط مجدّدا في التبرير والتحلّي بالاتزان والمراجعات العميقة، والقطع مع التصوّرات التي تعوّد الاخباريون تسويقها بهذا الخصوص، حتى وإن تمسّك بعضها بِنَفَسٍ محافظ يعيد القارئ إلى مربع التبرير وذلك بعد مُضيّ ما لا يقل عن ثلاثة قرون عن حصول تلك الصدمة الفاجعة.
خلاصة
ما الذي يمكن الخروج به بعد استعراض مختلف مكونات هذه العروض الدسمة المفيدة حول ما وسمه حسام الدين شاشية بـ “المشهد الموريسكي”؟ ينبغي التأكيد بداية على تطوّر مدركات ساكنة ايبيريا الكاثوليكية بخصوص من شاركوهم نفس الانتماء من بعد تورّطهم في إقصائهم لعشريات مديدة. فقد عول أولئك على دعاوى التخوين والتكفير قصد تبرير ذلك التصرّف المشين، الشيء الذي أشْرَعَ أمام وضعي أخبار ذلك الحدث الفارق من مؤرخين ومستلهميه من شعراء ومسرحيين مبدعين أيضا، بابا للتحقير والشيطنة والتقزيم لم يخل في أحايين كثيرة من تنسيب وتعديل. ولئن شهد القرن الموالي تراجعا لتلك الحملات الـمُغرضة، مع الدفع بشكل واعي أو من دونه باتجاه التجاهل ومحو ذاكرة الطرد الصادمة، فإن أبرز الكتابات التي تعرّضت إلى نفس المسألة قد أبدت من ناحيتها قدرة على مراجعة مختلف الأفكار الخاطئة حول تلك المعضلة العويصة، دافعة نحو إتمام العديد من التعديلات التي أفادت منها كثيرا الأدبيات الصحفية كما العروض المسرحية والمعرفية الغزيرة الموضوعة بخصوص ما وسمه المؤلِف بـ “عودة الموريسكيين” خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن الذي يليه. واعتبارا لجميع هذه التصورات فقد بدت لنا محصّلة كتاب حسام الدين شاشية الجديد شيقة ومفيدة، بحيث أتت على تطوّر مدركات الإسبان الجمعية للمسألة الموريسكية وانتقالها من لُجَاجَةِ التبرير إلى اتّزان التنسيب، مرورا بالقبول بالمراجعة والتعريف بمسار تحوّل وُجْهات نظر المدافعين على “الأسبنة” من دعاوي التمسّك المرضي بنقاء الهوية واستعصاء القبول بالغيريات، إلى إعادة الاعتبار تدريجيا لدور تلك الجماعات المنفيّة في رسم مشهد إسبانيا الحرّة وإدراج أولئك المظاليم ضمن تاريخ إسبانيا، وذلك باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من الانتماءات المتشابكة والمتضافرة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط.
صدر حديثًا عن مركز البحوث والتواصل المعرفي، الرياض ومؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، تونس كتاب «المشهد الموريسكي.. سرديات الطرد في الفكر الاسباني الحديث» للدكتور حسام الدين شاشية. يحلل الكتاب مُختلف التمثلات الإسبانية والعربية للتاريخ الموريسكي منذ بداية الفترة الحديثة إلى اليوم، والبحث في تطور حضور هذا التاريخ في النصوص الأدبية والإخبارية الإسبانية للعصر الذهبي (القرنين 16 و 17). ويدرس التناول الإسباني والعربي للمسألة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أي من خلال النصوص ذات الطبيعة التاريخية، والصحف، وأدب الرحلة، والروايات والمسرحيات، كما يبحث في التمثل العربي التاريخي والأدبي المعاصر للتاريخ الموريسكي وكيف تطور كمّاً ونوعاً. حاول مؤلف «المشهد الموريسكي » البتَّ في تشكُّل الرؤية التي حملها الكتّاب الإسبان حول هذا الموضوع على امتداد أربعة قرون، قاصدًا رسم ما وسمه تأسّيًا بجون لويس غاديس بـ «لوحتها لتاريخية الخاصة »، موازيًا وفق عبارة بول ريكور الرائقة بين “الفائض من الذاكرة هنا، والفائض من النسيان هناك “، في محاولة للكشف عمّا يتخفَّى وراء قلق المجتمع الإسباني وتوتره حيال المعضلة الموريسكية، ورصد مواضع التلاعب بالذاكرة وتعرية خلفياتها. وضمن هذا الإطار خصّص القسم الافتتاحي للخطابات الدينية التبريرية لقرار الطرد، والتعرض إلى تأرجح المصادر الإخبارية الإسبانية للقرن السادس عشر بين دواعي الإنكار وضرورات القراءة في سياقات ثورات الموريسكيين بغرناطة وبلنسيّة وفق ما كشفت عنه مؤلفات أورتادو دي ميندوثا، وخينيس بيراث دي هيتا، ولويس ديل مارمول كربخال، وأنطونيو كورال إي روخاس، مع التشديد على سقوط تلك المعالجات في التحقير والدونية وانعدام الثقة في نصرانيَّة تلك الجماعات المضطهدة وسحقها الثقافي وتعمُّد جبّ جميع ما شكَّل تأصيلاً لشخصيتها وثقافتها العربية والإسلامية. لم تخرج مواقف الشعراء المعاصرين إزاء قرار الطرد هي أيضًا من موقع العداء المُعلن، وغابت عنها الصور الشعرية المبتكرة، فيما عدا قصائد غاسبار أغي الر، تلك التي لم تخل في عدة مواقع من حضور إعجاب بشجاعة العربي وفروسيته، في حين سقطت بقية الأشعار في نوع من السرد المباشر للوقائع والأحداث، وغطَّت، على شاكلة الصحف السيَّارة، نبض المواقف الرسمية المتشدّدة للحكام ورجال الكنيسة.
“مبادرة الحزام والطريق (BRI) تنسجم مع رؤية السعودية 2030، والفوائد متوقعة دائمًا”، هذا رأي أبداه مدير وحدة الصين والشرق الأقصى في مركز البحوث والتواصل المعرفي فهد المنيعي، الذي أكد أنَّه إذا بذلت الدول العربية والصين جهودًا مشتركة لتعزيز مبادرة الحزام والطريق، فسيكون هناك وضع أفضل في المستقبل في الوقت الذي يزور فيه الرئيس الصيني شي جين بينغ المملكة، جاءت هذه المقابلة من مراسلي جلوبال تايمز (جي تي) يو جينكوي وشينغ شياو جينغ مع المنيعي في الرياض، لمعرفة وجهات نظره حول كيفية تعاون البلدين بشكل أفضل في إطار مبادرة الحزام والطريق، فضلاً عن تعميق العلاقات العربية الصينية.
في عام 2016م، عندما زار الرئيس شي جين بينغ المملكة العربية السعودية، تم الارتقاء بالعلاقات الصينية السعودية إلى شراكة إستراتيجية شاملة. شي يزور السعودية مرة أخرى، والسعودية هي الدولة العربية الأولى التي يزورها بعد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، كيف نفهم أهمية هذه الزيارة للعلاقات الثنائية؟ لا شك أنَّ هذه الزيارة تاريخية؛ لأنَّ المملكة العربية السعودية تقدر علاقتها مع الصين، خصوصًا وجود الرئيس الصيني في الرياض، وسيكون هناك مزيد من التحسُّن في العلاقة، وهي متعددة الأوجه، تراوح بين التجارة والثقافة. في الواقع، إنَّها تبادل مصالح بين البلدين، فضلاً عن علاقة صداقة عميقة. الصين هي الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، مما يسهم في تطوير هذه العلاقة، وستسفر القمة عن نتائج مهمة تتطلع إليها الصين في المنطقة، كما الحال بالنسبة إلى المملكة. كيف تقيمون التعاون بين الصين والسعودية خلال السنوات الست الماضية؟ في رأيك، ما المجالات التي يمكن للجانبين تعميق تعاون فيها؟ بلغ التعاون بين الصين والسعودية ذروته في السنوات القليلة الماضية، ونجحتا في تأسيس عدة شركات ناجحة في مشروعات الطاقة والصناعات المتطوّرة وغيرها، أما المجالات التي ينبغي على الجانبين تعميقها، فتتمثَّل في الاستثمار في مشروعات عملاقة في المملكة، مثل: مشروع نيوم (مدينة تربط آسيا وأفريقيا وأوروبا يجري بناؤها في منطقة تبوك في شمال غرب المملكة العربية السعودية)، والاستثمار في السعودية من خلال الشركات الصينية سيكون بلا شك مفيداً لاقتصاديات البلدين. هل يمكن القول إن هناك تراجعًا في العلاقات السعودية الأمريكية؟ علاقة السعودية بأمريكا علاقة تاريخية تمتدُّ لأكثر من 80 عامًا. ولا يمكن زعزعة الجانب الأقوى في العلاقات السعودية ـ الأمريكية، الذي يتمحور حول الجانب الأمني، والتحالف الإستراتيجي. المسار الملحوظ للتذبذب في العلاقات مرتبط بالجانب الاقتصادي، إذ تعدُّ السعودية أكبر مصدر للطاقة في العالم، ولها أن تصدرها إلى حيث شاءت من الدول، ومن بينها الصين، بمعني أن السعودية تراعي مصالحها الاقتصادية، وهذا لا يعني إطلاقًا تحولاً في العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، التي لا يمكنها أن تتخلَّى عن المنطقة، بسبب موقعها الجغرافي، ودورها الأمني الأساسي، والتعامل مع الأحداث، أما الصين فليس لديها الرغبة بأن تكون حليفًا أمنيًا لدول المنطقة لسببين، الأول: تاريخي يتمثّل في غيابها التاريخي عن المنطقة، والسبب الثاني: أنَّ علاقاتها مع جميع دول المنطقة أفقية، فهي لا تتدخل في الصراعات الإقليمية في المنطقة.
غالبًا ما تصور وسائل الإعلام الغربية علاقات الصين الطبيعية مع الشرق الأوسط على أنها تشكل تحدِّيًا لهيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ما رأيك؟ هذا غير صحيح. هناك تباين في المنافسة الأمريكية الصينية من الناحية الاستراتيجي. يركز الوجود الصيني في الاقتصاد، في حين أن الوجود الأمريكي هو وجود أمني يقوم على تحالفات إستراتيجية واقتصادية، إلى جانب تاريخ طويل من العلاقات المباشرة. أما الوجود الصيني فيركز في التنمية الاقتصادية المنبثقة عن مبادرة الحزام والطريق. ما نوع الفرص والتأثيرات التي تعتقد أن مبادرة الحزام والطريق جلبتها إلى المملكة العربية السعودية ودول أخرى في الشرق الأوسط؟ أعتقد أن مبادرة الحزام والطريق تنسجم مع رؤية السعودية 2030، والفوائد متوقعة دائمًا. ومن الأمثلة على التقارب بين المشروعين، ما اتّخذته المملكة من خطوات لإحياء مشروع طريق الحرير، من خلال إنشاء شركة طريق الحرير السعودية في منطقة جازان، حيث يوجد كثير من الشركات الصينية، التي تعمل في مجالات الطاقة والمقاولات، وغيرها من المجالات. هذه المنطقة هي واحدة من الأذرع الاقتصادية الجديدة للمملكة، التي ستسهم في جذب كثير من الاستثمارات الأجنبية في مختلف المجالات: الزراعة، والسياحة، والصناعة، إلخ. يشهد الرئيس شي القمة الأولى للصين والدول العربية والصين- القمة الخليجية في الرياض، ما القوة الدافعة لتوثيق التعاون بين الصين والدول العربية؟ من المتوقع أن تكون هناك رغبة في هذه القمم لتوثيق العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، والتي لها الأهمية نفسها في الوقت الحاضر في تعزيز العلاقات الصينية العربية، إذ من المتوقع أن يكون لديهما وضع أفضل في المستقبل، إذا بذلت الدول العربية والصين جهودًا مشتركة لتعزيز مبادرة الحزام والطريق، وهي إطار دبلوماسي واقتصادي قائم على مبدأ التشاور الواسع، والمساهمة المشتركة، والمنفعة المتبادلة. كما سيتم تحديث التعاون العملي في مجال الطاقة، مثل: إنشاء البنية التحتية الأساسية، وتسهيل التجارة والاستثمار بوصفهما جانبين مهمين لهذا التعاون، وتبادل التقنيات العالية والجديدة في مجالات الطاقة النووية والطاقة المتجددة، وتقنيات الأقمار الصناعية الفضائية. تتطلع الصين ودول المنطقة إلى تعاون أوثق وأعمق في المستقبل، من خلال عدة مجالات مهمَّة، على سبيل المثال: الثقة السياسية المتبادلة، والتعاون الأمني، والتعاون التنموي والاقتصادي والتجاري، والتواصل الحضاري، والمصالح المشتركة. هل يمكنك الحديث علاقاتك مع الصين بإيجاز؟ على سبيل المثال، متى بدأت دراسة الصين؟ ما الموضوعات المتعلِّقة بالصين التي تثير اهتمامك أكثر؟ نعم، لدي علاقة طويلة الأمد مع الصين والصينيين، بدءًا من دراستي في بكين في الجامعة في عام 2007م حتى يومنا هذا. مكثت في بكين ست سنوات، تعلمت خلالها اللغة الصينية، وكوّنت صداقات رائعة، وتعرفت أيضًا إلى الصين والصينيين من كثب. تعرفت إلى ثقافة الشعب الصيني واهتماماته، وأعمل حاليًا في مركز البحوث والتواصل المعرفي مديرًا لوحدة الصين والشرق الأقصى. أما بالنسبة إلى الموضوعات التي تهمني والمتعلِّقة بالصين، فهي جميع مجالات المعرفة، مثل: الحضارة والثقافة، ومؤخرًا الاقتصاد
أصدر مركز البحوث والتواصل المعرفي مجلة فصلية بعنوان “أوراق استشرافية”، في شهر يناير 2023م لترجمة الدراسات المستقبلية، من منطلق أن استشراف المستقبل هو التطلع الدائم إلى صورة الزمن المقبل من خلال شحذ الأذهان وتشكيل فكر مستقبلي عربي ينبع من احتياجات المجتمعات العربية. وأوضح رئيس المركز الدكتور يحيى محمود بن جنيد في استهلال العدد الأول: أنه لما كان استشراف المستقبل وأدبياته المتداولة يأتي أغلبه من مصادر غير عربية، وجد المركز أن أفضل خدمة يمكن تقديمها للمهتمين بدراسات المستقبل في المملكة على نحو خاص والناطقين بالعربية على نحو عام، هو الارتكاز على ترجمة دراسات مستقبلية منشورة في دوريات علمية محكمة تلامس جوانب ذات فائدة، وتسهم في ترسيخ قواعد للفكر المستقبلي، مشيرًا إلى عناية بعض الدول في الوقت الراهن بتأسيس مراكز ومعاهد تخص تنمية قدرات التفكير المستقبلي وفق الخطوات التي تقود إلى استخراج رؤية تنم عما سيحدث في قادم الأزمان، سواءً فيما يتعلق بتطور البنية الحضارية، أو وقوع كوارث وأزمات مؤثرة في مسار الدولة الواحدة أو العالم. واشتمل العدد على جملة من الدراسات المنتقاة، التي تشكل نماذج للموضوعات التي ستنشر مستقبلاً، أولها دراسة بعنوان “مستقبل صنع القرار الإستراتيجي” أعدّها روجر سبيتز، وذهب فيها إلى ضرورة تطوير القدرات البشرية بالعلم والمعرفة لمواكبة التطورالعالمي التقني. وفي الخط الزمني للدراسات المستقبلية، استعراض لتطور الفكر المستقبلي وإشارة إلى أفلاطون والمجتمع المثالي في كتابه “الجمهورية”. وقدمت دراسة بعنوان “علي بابا والمفتاح الذهبي” تصورًا لمستقبل التصنيع في مصر الذي يقوم على أُسس أهمها إنشاء أنموذج اقتصاد دائري لا يضر بالبيئة والموارد الطبيعية واستكشاف إمكانات المجمعات الصناعية بما يؤدي إلى تفاعل بين الشركات بمختلف أحجامها . وركزت إحدى الدراسات على خريطة مستقبل التعليم العالي في ماليزيا، وانتهت إلى أن الأدبيات أظهرت وجود صور متسقة وحية للمستقبل في وزارة التعليم العالي مكنت المعنيين من الوصول إلى إدراك مشترك للسيناريو المستقبلي المطلوب. وتضمن العدد دراسة عن الجغرافيا السياسية للفضاء الرقمي، والأخيرة ذات أهمية تخص المملكة العربية السعودية وعنوانها ” التحول الرقمي لمدن المملكة. وتناول العدد مراجعة لكتاب عن “الدور القادم لبريطانيا في الشرق الأوسط بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي”.
بعد مضي سبعين عاما ونيف على تطور قضية الترجمة في الصين منذ تأسيسها في عام 1949، أضحت الكتب والمجلات الصينية تصل إلى ما يربو على مائة وثمانين دولة ومنطقة في العالم، بأكثر من أربعين لغة، وتبث قنوات الإذاعة والتلفزة بأكثر من ستين لغة صوت الصين في العالم. خلال هذه المسيرة، قدم المترجمون مساهمات لا تمحى في هذه القضية. من أجل تكريم المترجمين الذين قدموا مساهمات جليلة وحققوا منجزات بارزة ويتميزون بأخلاق سامية وسمعة طيبة في مجال الترجمة والنشر الثقافي والتبادل الثقافي، أنشأت جمعية المترجمين الصينية في عام 2006 جائزة “الإنجاز مدى الحياة” التي تُعتبر أعلى وسام تمنحه الجمعية للمترجمين. وفي حفل افتتاح الدورة السنوية لاجتماع جمعية المترجمين الصينية لعام 2023، منحت الجمعية هذه الجائزة لأحد عشر مترجما، من بينهم البروفيسور تشو وي ليه الذي كرس حياته لخدمة الشؤون الخارجية الوطنية وإعداد الأكفاء في الدراسات العربية للصين ودفع التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية. الانهماك في الترجمة لخدمة الأعمال الخارجية الوطنية وُلد البروفيسور تشو وي ليه في أكتوبر عام 1941، والتحق بكلية اللغات الشرقية بجامعة بكين في عام 1960، ودرس على يد المستشرق الصيني المرموق جي شيان لين والأستاذ الكبير ما جيان (محمد مكين) والأستاذ ليو لين روي (رضوان). خلال فترة دراسته، كان تشو وي ليه حريصا على قراءة الوثائق الثقافية والتاريخية في المكتبة، وتسجيل الملاحظات أثناء الاستماع إلى محاضرات الأساتذة. بعد تخرجه في عام 1965، عمل معلما في جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، وكلّفته الجامعة باستقبال مختلف البعثات العربية والمشاركة في معرض الاستيراد والتصدير الصيني (معرض كانتون)، فاستقبل قادة الدول العربية الزائرين لشانغهاي، ورافق مسؤولي حكومة شانغهاي لزيارة أربع دول خليجية، كمترجم. في الوقت نفسه، أنجز البروفيسور تشو الترجمة والدبلجة العربية لفيلم (جسر نانجينغ على نهر اليانغتسي) وفيلم (الفتاة ذات الشعر الأبيض) وغيرهما من الأفلام الصينية منذ عام 1969. وفي ناحية الترجمة التحريرية، أنجز ترجمة العديد من الكتب التاريخية والجغرافية مثل “تاريخ المغرب العربي) للدكتور سعد زغلول عبد الحميد في عام 1972، وجزء “الجغرافيا الطبيعية” من (السودان- دراسات عن الأحوال الطبيعية وهيكل السكان والبناء الاجتماعي) في عام 1978 و(الأرض والسكان في سيناء بمصر) في عام 1983. ومن الأعمال الأدبية التي ترجمها: رواية (الكرنك) لنجيب محفوظ في عام 1981، وكتاب (ختم القرآن) الذي صدر في عام 1980 وطبعت منه مئات الآلاف من النسخ وأعيدت طباعته في عام 2019، ورواية (رد قلبي) ليوسف السباعي في عام 1983، وفي عام 1984 قام بتنقيح ترجمة رواية (الأجنحة المتكسرة) لجبران خليل جبران على أساس النسخة المترجمة للأستاذ قوه لي. وفي عام 1982 وعام 1985 ترجم مجلدين من (فنون الشرق الأوسط) لنعمت إسماعيل علام. وفي عام 2001، أنجز ترجمة كتاب (الوطنية في عالم بلا هوية: تحديات العولمة) للدكتور حسين كامل بهاء الدين وزير التربية والتعليم المصري الأسبق، وفي عام 2005 ترجم كتاب (مفترق الطرق) لنفس المؤلف. منذ ثمانينات القرن الماضي، دعا البروفيسور تشو وي ليه إلى دفع بناء علم الشرق الأوسط والدراسات العربية والعلوم الإسلامية في الصين. نظرا لنقص الكتب العربية والإسلامية الكلاسيكية وضعف الدراسات الأكاديمية المتراكمة في الصين، سعى إلى تكوين فرقة لترجمة ودراسة الكتب الرئيسية للثقافة العربية والحضارة الإسلامية، مع العمل على تعزيز الحوار الحضاري مع دول الشرق الأوسط. في عام 2002، أدرج مشروع “ترجمة ودراسة الأعمال الكلاسيكية العربية” ضمن المشروعات المهمة لوزارة التعليم الصينية، وتم تكليف الدكتور قه تيه ينغ، تلميذ البروفيسور تشو وي ليه، برئاسة هذا المشروع وتنظيم الخبراء الصينيين للمشاركة فيه. في عام 2010، تولي البروفيسور تشو منصب مدير مركز أبحاث منتدى التعاون الصيني- العربي، فنظّم التبرع بالأموال لمساعدة إطلاق مشروع ترجمة الأعمال الكلاسيكية بين الصين والدول العربية. وكان من ثمار هذا العمل صدور الترجمات الصينية لعدد من أمهات الكتب العربية، منها: (مقدمة ابن خلدون) و(البخلاء) و(مقامات بديع الزمان الهمذاني) و(المعلقات السبع)، بالإضافة إلى (الصين في عيون المصريين) و(في شانغهاي.. معجزة بودونغ) و(العلاقات المصرية- الصينية في 60 عاما). وصدر في السعودية كتاب (رضوان ليو لين روي- من أعلام العربية في الصين) و(محمد مكين.. علّامة اللغة العربية الصيني)، بالإضافة إلى الكتب حول مبادرة “الحزام والطريق” وتاريخ تعليم اللغة العربية في الصين، والتي تتم ترجمتها حاليا. من أجل تعليم العربية عمل البروفيسور تشو ثمانية وخمسين عاما في تدريس اللغة العربية، فقد كرس حياته لتدريس لغة الضاد ودراسات الشرق الأوسط. في عام 1978، سافر إلى القاهرة لإكمال دراسته، وكانت هذه أول مرة يخرج فيها من الصين. قال إنه كان شغوفا بمحاضرات الأساتذة الكبار وحديثه مع الأدباء العرب وخاصة الأدباء المصريين. عندما عاد إلى الصين في عام 1980، لم يكن في حقيبته بوزن ستين كيلوغراما غير الكتب العربية. وبعد عودته إلى جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، استفاد في عمله التعليمي والبحثي من تجربة الدراسة في القاهرة، فشغل مناصب مدير مكتب أبحاث اللغة العربية والأدب العربي، ونائب عميد وعميد كلية اللغة العربية، ورئيس مركز أبحاث العلوم الاجتماعية التابع للجامعة، ورئيس معهد دراسات الشرق الأوسط بالجامعة. وباعتباره قائد الفرع العلمي للغة العربية والأدب العربي بجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، مكّن كلية اللغة العربية بجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي من الحصول على الموافقة على إعداد طلاب الماجستير في عام 1987 وإعداد طلاب الدكتوراه في عام 1998، وتم اختيار هذا الفرع العلمي كفرع علمي مهم لمدينة شانغهاي في عام 2001 وعام 2007، واختارته وزارة التعليم الصينية كفرع علمي مهم على المستوى الوطني في ديسمبر عام 2017. في عام 1985، تولى البروفيسور تشو منصب نائب رئيس جمعية أبحاث تعليم اللغة العربية الصينية، ثم نائب مدير لجنة إرشاد تعليم اللغات الأجنبية الصينية ورئيس فرقة إرشاد تعليم اللغة العربية لهذه اللجنة من تسعينات القرن الماضي إلى عام 2002، وأشرف على وضع الطبعة الأولى لـ(برنامج تعليم اللغة العربية في الجامعات والمعاهد الصينية) في عام 2000؛ وفي ثمانينات القرن الماضي، عندما أنشأت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية جمعية بحوث الأدب العربي في الصين، تولى البروفيسور تشو منصب نائب رئيس الجمعية لبضع عشرة سنة. في الوقت نفسه، حقق ثمارا أكاديمية وافرة، مثل مشروعات الأبحاث العلمية والأطروحات الأكاديمية والمؤلفات الاختصاصية والكتب المرجعية، فهو رئيس تحرير (قاموس الأدب العربي المعاصر) وأنجز بمفرده (المعجم الميسّر.. صيني- عربي). جدير بالذكر أن البروفيسور تشو أشرف على تحرير مجلة (العالم العربي) التي تحول اسمها إلى (دراسات العالم العربي) في عام 2006. قال: “لا ينبغي أن يقتصر تعليم اللغة العربية على تربية المهارة اللغوية وتعليم الأدب العربي، بل يجب أن يتسع إلى التعريف بأحوال الدول العربية المختلفة بل وحضاراتها الرائعة عبر منظومة المواد التدريسية الجديدة، لتلبية متطلبات العصر الجديد.” أضاف أنه ألف العديد من الكتب حول الشرق الأوسط، منها: (نظرة على الشرق الأوسط من الشرق الأقصى) و(الدراسات الإستراتيجية حول الثقافات الدولية) و(مجتمعات وثقافات الشرق الأوسط الحديث)، ويرغب في بناء علم الشرق الأوسط ذي الخصائص الصينية، لأن الصين اليوم ليست متفرجة بل دولة فاعلة على المسرح الدولي، وخاصة في شؤون الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وتعمل لتطوير العلاقات الثنائية وبناء التحديثات للجانبين. فيجب أن تهتم الصين بإعداد العلماء الصينيين الذين يعرفون مفهوم حوكمة الدولة وإدارة شؤونها للصين والظروف الصينية وبناء التحديثات في الصين ليقوموا بالبحث والتبادل الإنساني والتعاون الثقافي مع الجانب العربي، تمحورا حول المبادرات الثلاث للرئيس شي جين بيغ حول الأمن والتنمية والحضارة. وقد بدأ النقاش بشأن بناء علم الشرق الأوسط ذي الخصائص الصينية في ندوات مختلفة بالصين، ويجب على الجامعات والمعاهد أن تعمل على الأبحاث الأساسية له، بينما يتحمل العلماء الصينيون مهمة الأبحاث التطبيقية لطرح الآراء عبر المراكز الفكرية المختلفة على أساس المعرفة العميقة عن الدول العربية وبناء نظام الخطاب الصيني في العالم. في عام 1987، منحت مدينة شانغهاي البروفيسور تشو لقب “عامل التعليم الممتاز”، وفي عام 1991 أثنى عليه مجلس الدولة الصيني ومنحه العلاوة الخاصة، وفي عام 1987، منحته شانغهاي لقب “العامل الممتاز”، وفي عام 2005 كرمته وزارة التعليم العالى والبحث العلمى المصرية، وفي عام 2006 كرمته وزارة الثقافة المصرية، وفي عام 2008 نال جائزة من مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي عام 2010 منحته جمعية المترجمين الصينية جائزة “الخبير المتميز في الترجمة الأجنبية”. وفي عام 2014، حصل على جائزة “المساهمات الشخصية” في الدورة السابعة لجائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة في السعودية. دفع التبادل بين الصين والدول العربية البروفيسور تشو صاحب مسيرة مهنية زاخرة بالإنجازات، وشغل العديد من المناصب، ومنها: عضو قسم الأبحاث الشاملة للجنة العلوم الاجتماعية بوزارة التعليم الصينية، وعضو مجلس جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان العربية، ومستشار الجمعية الصينية لبحوث الشرق الأوسط، ومستشار جمعية العلاقات الدولية بشانغهاي، وعضو مراسل لمؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي بالأردن وعضو مراسل لمجمع اللغة العربية بالقاهرة وباحث شرفي بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالسعودية. المنصب الذي يعتز به البروفيسور تشو أكثر من غيره، هو مدير لجنة الخبراء لمركز الدراسات الصيني- العربي للإصلاح والتنمية، الذي دعا الرئيس شي جين بينغ إلى إنشائه. يُعد المركز قاعدة فكرية عالمية المستوى ومنصة دولية لتبادل الأفكار تجمع بين وظائف الدورات التدريبية وإعداد الأكفاء والدراسات والبحوث والتواصل الإنساني والثقافي تحت إدارة جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي وبرعاية وزارة الخارجية الصينية ووزارة التعليم الصينية وحكومة بلدية شانغهاي. قال البروفيسور تشو: “أشار الرئيس شي في كلمته بالاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني- العربي في بكين في عام 2018، إلى أن المركز يعمل بشكل جيّد وقد أصبح منصة فكرية لتبادل الخبرات في مجال الإصلاح والانفتاح وحكم البلاد وإدارتها، بين الجانبين الصيني والعربي. وفي المستقبل، سيصبح المركز أكبر وأقوى لتقديم المزيد من الدعم الفكري للجانبين. وأشار الرئيس شي في القمة الصينية- العربية الأولى، إلى أن الجانب الصيني سيواصل تعظيم دور مركز الدراسات الصيني- العربي للإصلاح والتنمية، بغية تعزيز الحوار بين الحضارات وتدعيم تبادل الخبرات في مجال الحوكمة والإدارة. وعندما سمعت كلام الرئيس هذا، تأثرت وسعدت كثيرا، فهذا العمل أكبر شرف في حياتي، فلم أتوقف عن العمل في المركز حتى اليوم.” قال البروفيسور تشو: “الآن، وقد جاوز عمري ثمانين سنة، يشرفني أن أحصل على جائزة الإنجاز مدى الحياة. أشكر وطني العظيم الذي دخل العصر الجديد لبناء التحديثات، والأساتذة في جامعتي الأم جامعة بكين، وكل القادة والزملاء والطلاب خلال عملي في جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي”. في حيثيات منح جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة للبروفيسور تشو وي ليه، جاء أنه من أبرز المترجمين العلماء، إذ ظل يهتم بتقديم الثقافة العربية والإسلامية إلى الصين، ويبذل جهودا دؤوبة في مجال الترجمة لبناء جسر التبادل الحضاري بين الصين والدول العربية. مسيرة البروفيسور تشو قصة ملهمة للمترجمين الصينيين لحثهم على التعلم من الجيل القديم من المترجمين وتوارث وإذكاء روح التفاني لهم، وتحسين المهارة في الترجمة وبذل الجهود لتزدهر قضية الترجمة في الصين.
اختتم مركز البحوث والتواصل المعرفي مشاركته في معرض بكين الدولي للكتاب 2023م بدورته الـتاسعة والعشرين، الذي جرى افتتاحه في 15 يونيو 2023م، واستمرَّ إلى 18 يونيو، وذلك في المركز الوطني للمؤتمرات في بكين.
وشارك المركز ضمن أجنحة المملكة العربية السعودية بأكثر من 67 عنوانًا، شملت كتبًا علمية، وتاريخية، وثقافية، وسياسية، وأدبية، إضافةً إلى دورياته المحكّمة، وحظي جناحه بزيارة كثير من مرتادي المعرض، ومن بينهم شخصيات أكاديمية وبحثية، إضافةً إلى دبلوماسيين وإعلاميين. ونالت الإصدارات الخاصة بالنشر المشترك من روايات، وقصائد، وكتب أدبية، ونقدية اهتمامًا واضحًا من زائري المعرض، وقد أشاد كثير منهم بالتجربة، التي عُنيت بالترجمة من اللغتين العربية والصينية، لما لها من دور في تعريف كلٍّ من الشعبين السعودي والصيني بثقافة الشعب الآخر، وهذا ما يسهم في تعميق الروابط التاريخية، وتحقيق المصالح المشتركة، بل يسهم أيضًا في معرفة أعمق للصين في العالم العربي. ونظَّمت دار نشر إنتركونتننتال الصينية، وكلية الدراسات العربية لجامعة الدراسات الأجنبية ببكين بشكل مشترك، وقد حفل إطلاق الترجمات العربية لأمهات كتب الفكر الصيني القديم على هامش فعاليات المعرض، فيما أقام ممثلون صينيون وعرب حوارًا عن موضوع “التناغم مع الاختلاف: ترجمة الكلاسيكيات الصينية والحوار الفكري الصيني-العربي”. وناقش الخبراء الصينيون والعرب المشاركون أهمية ترجمة الكلاسيكيات الصينية، مشيرين أيضًا إلى المشكلات والصعوبات التي تواجه أعمال الترجمة، كما نوَّهوا بأهمية النسخة العربية من الكلاسيكيات الثقافية الصينية في نقل الثقافة التقليدية الصينية إلى العالم العربي، وتعزيز التبادلات المعرفية بين الجانبين. وجرى إصدار نتائج مشروع تبادل الترجمة والنشر بين الصين والدول العربية الذي أسفر في مرحلته الأولى عن ترجمة ونشر 50 كتابًا. وتأتي مشاركة مركز البحوث والتواصل المعرفي في معرض بكين الدولي للكتاب، ضمن خطته الاستراتيجية في نشر المعارف والبحوث من خلال المشاركات في المعارض المحلية والإقليمية والدولية، والتعريف بإنتاجات المركز ورسالته وأهدافه وفعالياته. يُذكر أنَّ معرض الصين الدولي للكتاب هذا العام عرض أكثر من 200 ألف عنوان، من 56 دولة، مثّلتها نحو 1500 عارض ودار نشر، مع إقامة كثير من الفعَّاليات التي تنوّعت بين الفكر والأدب والفنون.
أصدر مركز البحوث والتواصل المعرفي مجلة فصلية بعنوان “أوراق استشرافية”، في شهر يناير 2023م لترجمة الدراسات المستقبلية، من منطلق أن استشراف المستقبل هو التطلع الدائم إلى صورة الزمن المقبل من خلال شحذ الأذهان وتشكيل فكر مستقبلي عربي ينبع من احتياجات المجتمعات العربية.
وأوضح رئيس المركز الدكتور يحيى محمود بن جنيد في استهلال العدد الأول: أنه لما كان استشراف المستقبل وأدبياته المتداولة يأتي أغلبه من مصادر غير عربية، وجد المركز أن أفضل خدمة يمكن تقديمها للمهتمين بدراسات المستقبل في المملكة على نحو خاص والناطقين بالعربية على نحو عام، هو الارتكاز على ترجمة دراسات مستقبلية منشورة في دوريات علمية محكمة تلامس جوانب ذات فائدة، وتسهم في ترسيخ قواعد للفكر المستقبلي، مشيرًا إلى عناية بعض الدول في الوقت الراهن بتأسيس مراكز ومعاهد تخص تنمية قدرات التفكير المستقبلي وفق الخطوات التي تقود إلى استخراج رؤية تنم عما سيحدث في قادم الأزمان، سواءً فيما يتعلق بتطور البنية الحضارية، أو وقوع كوارث وأزمات مؤثرة في مسار الدولة الواحدة أو العالم.
واشتمل العدد على جملة من الدراسات المنتقاة، التي تشكل نماذج للموضوعات التي ستنشر مستقبلاً، أولها دراسة بعنوان “مستقبل صنع القرار الإستراتيجي” أعدّها روجر سبيتز، وذهب فيها إلى ضرورة تطوير القدرات البشرية بالعلم والمعرفة لمواكبة التطور العالمي التقني.
وفي الخط الزمني للدراسات المستقبلية، استعراض لتطور الفكر المستقبلي وإشارة إلى أفلاطون والمجتمع المثالي في كتابه “الجمهورية”.
وقدمت دراسة بعنوان “علي بابا والمفتاح الذهبي” تصورًا لمستقبل التصنيع في مصر الذي يقوم على أُسس أهمها إنشاء أنموذج اقتصاد دائري لا يضر بالبيئة والموارد الطبيعية واستكشاف إمكانات المجمعات الصناعية بما يؤدي إلى تفاعل بين الشركات بمختلف أحجامها.
وركزت إحدى الدراسات على خريطة مستقبل التعليم العالي في ماليزيا، وانتهت إلى أن الأدبيات أظهرت وجود صور متسقة وحية للمستقبل في وزارة التعليم العالي مكنت المعنيين من الوصول إلى إدراك مشترك للسيناريو المستقبلي المطلوب.
وتضمن العدد دراسة عن الجغرافيا السياسية للفضاء الرقمي، والأخيرة ذات أهمية تخص المملكة العربية السعودية وعنوانها “التحول الرقمي لمدن المملكة”.
وتناول العدد مراجعة لكتاب عن “الدور القادم لبريطانيا في الشرق الأوسط بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي”.
أُصدِرَتْ مجلة فصلية بعنوان “أوراق استشرافية” من قِبَل مركز البحوث والتواصل المعرفي في يناير 2023م. تهدف المجلة إلى ترجمة الدراسات المستقبلية، حيث يُعَدّ استشراف المستقبل استنادًا إلى تشكيل فكر مستقبلي عربي مستمد من احتياجات المجتمعات العربية، ويعتبر التطلع المستمر إلى الصورة الزمنية المقبلة وتحفيز الأفكار والتفكير المستقبلي جوانبا أساسية لهذا الأدب.
وأوضح الدكتور يحيى محمود بن جنيد، رئيس المركز، في مقدمة العدد الأول أن الكثير من الأدبيات المتعلقة باستشراف المستقبل والمعروفة حتى الآن تأتي من مصادر غير عربية. وعليه، قرر المركز أن يقدم أفضل خدمة للمهتمين بدراسات المستقبل في المملكة والناطقين بالعربية عمومًا من خلال ترجمة الدراسات المستقبلية المنشورة في دوريات علمية مرموقة، التي تتناول مواضيع ذات فائدة وتساهم في تعزيز قواعد الفكر المستقبلي. وأشار إلى اهتمام بعض الدول حاليًا بتأسيس مراكز ومعاهد لتطوير قدرات التفكير المستقبلي، وذلك عبر الخطوات التي تؤدي إلى استنباط رؤية تتعامل مع التطورات المستقبلية في مختلف المجالات، سواء فيما يتعلق بتقدم الحضارة أو وقوع الأزمات والكوارث التي تؤثر على الدول والعالم.
شمل العدد مجموعة من الدراسات المختارة التي تمثل نماذج للموضوعات المستقبلية التي ستنشر في المستقبل. ومن بينها دراسة تحمل عنوان “مستقبل صنع القرار الاستراتيجي” من إعداد روجر سبيتز، يناقش فيها ضرورة تطوير قدرات البشر بالمعرفة والعلم لمواكبة التطور التكنولوجي العالمي.
وتضمن العدد دراسة عن الجغرافيا السياسية للفضاء الرقمي، والأخيرة ذات أهمية تخص المملكة العربية السعودية وعنوانها ” التحول الرقمي لمدن المملكة. وتناول العدد مراجعة لكتاب عن “الدور القادم لبريطانيا في الشرق الأوسط بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي” .
بادر مركز البحوث والتواصل المعرفي بإصدار مجلة فصلية تُعنى بترجمة الدراسات المستقبلية، ابتداءً من يناير 2023م، وذلك »من منطلق أنَّ استشرافَ المستقبل هو التطلُّع الدائم إلى صورة الزَّمن المقبل، ومن ثَمَّ، يأمل، من خلال هذه الدورية، الإسهامَ مع مجموعةٍ من المراكز التي سبقته، في الاهتمام بهذا التوجُّه لشحذ الأذهان، وتشكيل فكرٍ مستقبليٍّ عربيٍّ ينبع من احتياجات المجتمعات العربيَّة«، حسبما أوضح رئيس المركز الأستاذ الدكتور يحيى محمود بن جنيد في استهلال العدد الأول. وأضاف: »لمَّا كان هذا العلم – أي استشراف المستقبل – وأدبياته المتداولة يأتي؛ أغلبُه، من مصادر غير عربية: شرقية وغربية، وجد المركز أنَّ أفضل خدمةٍ يمكن تقديمها للمخطِّطين والمهتمِّين بدراسات المستقبل في المملكة العربية السُّعودي، على نحوٍ خاص، والناطقين بالعربية على نحوٍ عام، الارتكازُ على ترجمة دراسات مستقبلية منشورة في دوريات علميَّة محكمة تلامس جوانب ذات فائدة، وتسهم في ترسيخ قواعد للفكر المستقبلي«، مشيرًا إلى عناية »بعض الدول، في العصر الراهن، بتأسيس مراكز ومعاهد تخصُّ تنمية قدرات التفكير المستقبلي وفق الخطوات التي تقود إلى استخراج رؤيةٍ تنمُّ عمَّا سيحدث في قادم الأزمان، سواءً فيما يتعلَّق بتطور البنية الحضارية، أو وقوع كوارث وأزمات مؤثرة في مسار الدولة الواحدة أو العالم«. اشتمل العدد على جملة من الدراسات المنتقاة، التي تشكِّل نماذج للموضوعات التي ستُنشر مستقبلاً، وأولها: دراسة بعنوان» مستقبل صنع القرار الإستراتيجي« أعدَّها: روجر سبيتز، وذهب فيها إلى أنه من المهم أن نحسِّن قدراتنا على التطوُّر، وإن لم يحدث ذلك «سنجد أنفسنا مهمَّشين، وستخرج عملية صنع القرار من أيدي البشر لتنتقل إلى خوارزميات الآلة«، والثاني محاضرة لتوني بلير تعرَّض فيها للحرب الأوكرانيَّة والدروس المستفادة منها من قبل القيادة الغربيَّة، ناقش فيها مستقبل النظام العالمي، وصعود الصِّين، وطالب بزيادة الإنفاق الدفاعي للحفاظ على التفوُّق العسكري الغربي، كما أشار في خاتمة المحاضرة إلى «أنَّ الغرب في حاجة إلى تنظيم ونقل فكريين، وتركيز مُستدام، وإحساس بهدف موحَّد وإستراتيجية مشتركة لتحقيقها». وفي «الخط الزمني للدراسات المستقبليَّة«، استعراضٌ لتطوُّر الفكر المستقبلي، وفيه إشارة إلى أفلاطون والمجتمع المثالي في كتابه «الجمهورية»، الذي عدَّه كاتب المقال ملهمًا ملايين المفكرين لتخيُّل المستقبل، أمَّا دراسة: «علي بابا والمفتاح الذهبي: سيناريوهات مستقبل التصنيع في مصر»، التي وضعها مجموعةٌ من الدارسين، فقد طرحوا فيها تصوُّرًا لمستقبل التصنيع في مصر، الذي يقوم على أسس، أهمها: إنشاء أنموذج اقتصاد دائري لا يضر بالبيئة والموارد الطبيعية، واستكشاف إمكانات المجمَّعات الصناعيَّة بما يؤدي إلى تفاعل بين الشركات بمختلف أحجامها. وركز معدُّ الدراسة الخامسة على خريطة مستقبل التعليم العالي في ماليزيا، وانتهوا في تحليلهم إلى أنَّ الأدبيات أظهرت «وجود صورٍ متَّسقةٍ وحيَّةٍ للمستقبل في وزارة التعليم العالي مكَّنت المعنيين من الوصول إلى إدراك مشترك للسيناريو المستقبلي المطلوب». وتضمَّن العدد دراسةً سادسة عن الجغرافيا السياسية للفضاء الرقمي، والأخيرة ذات أهمية تخصُّ المملكة العربية السعودية وعنوانها: التحويل الرقمي لمدن المملكة. وتناول العدد مراجعةً لكتاب عن «الدور القادم لبريطانيا في الشرق الأوسط بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي»، وخُصِّص جزءٌ من الدورية لسرد مستخلصات بعض الدراسات المستقبليَّة التي قد تُنشر في أعداد مقبلة، إلى جانب تقارير ومتابعات متنوعة.