المركز يشارك في معرض الرياض الدولي للكتاب

المركز يشارك في معرض الرياض الدولي للكتاب

يشارك مركز البحوث والتواصل المعرفي في معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة تحت شعار “وجهة ملهمة” في رحاب جامعة الملك سعود في مدينة الرياض، ويمتد في الفترة (28 سبتمبر – 7 أكتوبر 2023م)، وتحلُّ سلطنة عُمان ضيف شرف لهذا العام، لتقدِّم تجربة ثقافية فريدة، تستعرض فيها تراثها وتاريخها وفنونها وثقافتها الأصيلة في المعرض الذي يشارك فيه ما يزيد على1800 دار نشر من 32 دولة موزعة على أكثر من 800 جناح عرض.
ويعرض جناح المركز (B190) مجموعة من الإصدارات المتنوعة من الكتب والدراسات الصادرة خلال عام 2023م، إلى جانب الإصدارات السابقة، التي تزيد على 100 عنوان، على رأسها كتاب توثيقي عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز –حفظه الله – بعنوان: “سلمان بن عبدالعزيز رصد لأخباره الصحفية 1354 – 1407هـ / 1935 – 1987م”، و”مراكز البحوث والدراسات السعودية ودورها في تحقيق رؤية 2030”.
ومن أهم أعمال المركز الصادرة مؤخرًا، ومتاحة في المعرض حاليّاً “المنافسات الأولمبيَّة العلميَّة: السُّعوديَّة في الطليعة”، و”قراءة سعودية في الرواية الصينية المعاصرة”، و”إشكاليات الترجمة من الصِّينيَّة إلى العربيَّة: من واقع الأدب النثري والروائي الصِّيني”، “قراءة في الترجمة الأوزبكية للأدب السعودي”، و”العلاقات السعودية الفيتنامية: آفاق التطوّر”، و”استشراف مستقبل العلاقات الصينية السعودية”، و”الشراكة الصينية العربية”، و”رؤية استشرافية: كيف سيتغير النظام الاقتصادي العالمي في عام 2050؟”، و”المشهد الموريسكي : سرديات الطرد في المشهد الموريسكي الحديث”، و”أضواء على عمل الدكتور تركي بن سهو العتيبي في العباب”، وكان المركز قد أصدر”معجم العباب الزاخر واللباب الفاخر”، للإمام رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن الصغاني المتوفَّى سنة 650هـ، من تحقيق د.تركي بن سهو العتيبي أستاذ النحو والصرف سابقًا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الذي قدم إضافة علمية قيمة للتحقيق الذي أنجزه العالم الباكستاني فير محمد حسن المخدومي المتوفى سنة 1420هـ منذ سنوات.
ومن الإصدارات التي يضمها جناح المركز: “الحجاج في الخطاب السياسي السعودي: مقاربة تداولية”، و”يوسف ياسين: الصحافي ورجل الدولة”، و”العلاقات السعودية الهندية: الحالة الراهنة واستشراف المستقبل”، و”نظام التحكيم في المملكة العربية السعودية والتطور المرتقب في ظل برنامج التحول الوطني 2020م”، إضافة إلى دوريات المركز “مكاشفات” و”الاستعراب الآسيوي”، إلى جانب الدورية الجديدة “أوراق استشرافية”، التي تأتي من منطلق أنَّ استشرافَ المستقبل هو التطلُّع الدائم إلى صورة الزَّمن المقبل، ومن ثَمَّ، يأمل المركز، من خلال هذه الدورية، الإسهامَ مع مراكز الفكر العربية، في الاهتمام بهذا التوجُّه لشحذ الأذهان، وتشكيل فكرٍ مستقبليٍّ عربيٍّ ينبع من احتياجات المجتمعات العربيَّة.
ومن إصدارات المركز المترجمة: “الأدب السري لمسلمي إسبانيا الأواخر” للدكتورة لوثي لوبيث بارالت، و”التخطيط الإستراتيجي للمؤسسات العامة وغير الربحيّة: دليل تعزيز الإنجاز التنظيمي واستدامته” تأليف: د. جون م. بريسون، و”هل مؤسسات الفكر ذات أهمية؟ تقييم تأثير مراكز السياسة العامة”، تأليف: دونالد إي. أبيلسون، و”سطحية الحياة الأمريكية في السنوات العشر الماضية”، تأليف: جوناثان هايدت، إضافة إلى عدد من الإصدارات المتعلقة بالصين، مثل: “المسألة الصينية: إدارة المخاطر وتعظيم الفوائد من الشراكة في التعليم العالي والبحث”، تأليف: مجموعة من الباحثين، و”التقرير السنوي2020: تطوّر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والدول العربية”، و”الأدب الصيني”، تأليف: د. ياو دان.
وتشتمل كتب المركز في معرض الرياض على موضوعات: اقتصاد المعرفة، والإعلام، وريادة الأعمال، والتعليم، والحرب، والهجرة، والسلام، وحقوق الإنسان، والعلاقات الدولية، والدبلوماسية، والتأمين، وغير ذلك من قضايا العصر المثيرة كالحرب التجارية، والمثلية الجنسية من وجهة نظر علمية، ويتناول ذلك كتاب عالم الاجتماع الأمريكي نيل وايتهيد، بمشاركة الصحفية والكاتبة بريار وايتهيد: (هل جيناتي جعلتني هكذا)؟
يُذكر أن مركز البحوث والتواصل المعرفي يصدر – إضافة إلى الكتب المؤلفة والمترجمة – عددًا كبيرًا من التقارير المُعدة والمترجمة والدراسات والبحوث التي تُعنى بمجريات الأحداث وقضايا الواقع المعيش، مع استشراف المستقبل، من خلال خبراء مختصين في المجالات المختلفة.

Riyadh-Book-Fair-2023-1
Riyadh-Book-Fair-2023-2
Riyadh-Book-Fair-2023-3
حلقة نقاش حول الأديب الكازاخي مختار أويزوف

حلقة نقاش حول الأديب الكازاخي مختار أويزوف

نظم مركز البحوث والتواصل المعرفي بالتعاون مع سفارة كازاخستان في الرياض في الثلاثاء 10 ربيع الأول 1445هـ (26 سبتمبر 2023م) حلقة نقاش حول المفكر والأديب والروائي والمسرحي الكازاخي الشهير مختار أويزوف، بمناسبة مرور 125 عامًأ على مولده، شارك فيها حضورياً سعادة سفير جمهورية كازاختسان لدى المملكة العربية السعودية بيرك آرين، إلى جانب مشاركة عدد من الباحثين عبر تقنية زووم من كازاخستان.

افتتح الحلقة الأستاذ الدكتور يحيى محمود بن جنيد، رئيس مركز البحوث والتواصل المعرفي، مشيرًا إلى أهمية هذه المبادرة لنشر أعمال الكاتب والعالم المتميز مختار أويزوف في المملكة العربية السعودية، وأعرب عن ثقته في أن مثل هذه الفعاليات المشتركة تعمل على تحقيق التقارب بين شعبي البلدين، وتعزيز الروابط الثقافية بينهما.

وأعرب سعادة السفير الكازاخي عن شكره وتقديره للمركز لتنظيمه هذه الحلقة العلمية عن حياة أويزوف وأعماله، مشيرًأ إلى أنَّه يعدُّ من أشهر الكتاب والأدباء والمؤرخين الكازاخ على الإطلاق، وأول من كشف للعالم الإرث الإبداعي للشاعر والمصلح الكازاخي أباي قونانباي، الذي سبق للمركز أن نظم ندوة بعنوان “آباي شاعر شعب كازاخستان العظيم”؛ بمناسبة مرور 175 عامًا على ميلاده في نوفمبر 2020م.

وأوضح السفير أنَّ الكاتب أويزوف أصبح مشهورًا بين عامة الناس بفضل قصصه “الجميلة في ملابس الحداد”، و”نصيب اليتيم”، و”من المذنب؟”، و “اليتيم”، و”الشرس الرمادي”، وقصة “الحادث المؤسف لكاراش كاراش”، ورواية “الوقت الصعب”، ومسرحيات “الريش الحجري”، و”في بستان التفاح”، ودراسات عن تاريخ الأدب والفولكلور الكازاخي والقيرغيزي. وقد كشف كثيرٌ من هذه الأعمال مشكلات المجتمع الإقطاعي الكازاخي في ذلك الوقت.

وشارك في حلقة النقاش متحدثون عبر الإنترنت، منهم: الدكتورة سامال تولوبايفا، الأستاذة بقسم الدراسات الشرقية بجامعة غوميليوف الوطنية الأوراسية، والدكتور يختيار بالتوري، مدير قسم العلوم والابتكار في جامعة نور مبارك، والسيد خيرت ساكي، الدبلوماسي السابق والمستعرب، الذين تناولوا في مشاركاتهم جوانب من حياة مختار أويزوف ودوره في تطوير الأدب الكازاخي، والتعريف بتراث بلاده، وبدور الشاعر الكبير آباي، وتأثير الأدب العربي الكلاسيكي في أدب في آسيا الوسطي، وتطوره.

وأشار أغلب المعقبين إلى أن هذا الكاتب الكازاخي البارز لا تزال أعماله مجهولة لدى عموم المثقفين العرب، ودعوا إلى أهمية المشاركة بين المؤسسات ذات الاهتمام تفعيل الترجمة المتبادلة لأعمال أشهر الكتاب الكازاخيين والسعوديين إلى اللغتين العربية والكازاخية، وعلى رأسها الرواية الملحمية الكازاخية “طريق آباي”.

بشكل عام، أعرب المشاركون من الأكاديميين وممثلي وسائل الإعلام عن تقديرهم الكبير لمبادرة السفارة والمركز، وأبدوا عن امتنانهم وتقديرهم لهذا التبادل المعرفي، الذي يسهم في تعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين.

قام بالتقديم الدكتور عائض آل ربيع مدير إدارة البحوث بمركز البحوث والتواصل المعرفي.

Kazakh-writer-Mukhtar-Uyzov-1
Kazakh-writer-Mukhtar-Uyzov-2
Kazakh-writer-Mukhtar-Uyzov-3
Kazakh-writer-Mukhtar-Uyzov-4
Kazakh-writer-Mukhtar-Uyzov-5
Kazakh-writer-Mukhtar-Uyzov-7
التعاون والتبادل الصيني العربي في مجال النشر

التعاون والتبادل الصيني العربي في مجال النشر

يعقد مركز البحوث والتواصل المعرفي ودار انتركونتننتال الصينية للنشر ندوة عن “التعاون والتبادل الصيني العربي في مجال النشر”، وذلك في صباح يوم الأحد 16 ربيع الأول 1445هـ (1 أكتوبر 2023م) بقاعة الاحتفالات في فندق موفنبيك بالرياض.

وتتناول الندوة واقع التبادل المعرفي والنشر المشترك بين الجانبين، والمعوقات والتحديات التي يواجه التعاون الثقافي عمومًا، والتعاون في مجال النشر بوجه خاص.

وكان وفد الدار المشارك في معرض الرياض الدولي للكتاب قد زار المركز اليوم الخميس 13 ربيع الأول 1445هـ (28 سبتمبر 2023م)، واستقبله رئيس المركز الأستاذ الدكتور يحيى محمود بن جنيد، والأستاذ عبد الله الكويليت المدير التنفيذي.

وتكوّن الوفد من السيدة قوانغ هونغ نائب المدير العام للدار، والسيدة تشيو هونغ يان مديرة مركز النشر، والسيدة يانغ شيويه مديرة قسم التعاون الدولي، ود. لي شيجيون (لطيف) باحث ما بعد الدكتوراه بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، الذي سبق أن كان باحثًا زائرًا في المركز.

عقد الجانبان لقاءً بحضور المدير التنفيذي للمركز عبد الله الكويليت، وعدد من الباحثين، ابتدره رئيس المركز بالترحيب بالوفد، ومنوهًا بالعلاقات المتميّزة بين المركز والدار، والتي تجسدت في مشروع النشر المشترك الذي يتضمن ترجمة ونشر 25 عملاً من الأعمال الكلاسيكية السعودية إلى اللغة الصينية، وقد أُنجزت أعمال كثيرة في إطار المشروع، وهي ضمن إصدارات المركز والدار بمعرض الرياض الدولي للكتاب.

وأشار ابن جنيد إلى إستراتيجية المركز في تجسير العلاقة مع مراكز الفكر والجامعات والمؤسسات ذات الاهتمام المشترك ودور النشر في الصين من أجل دفع التبادل العلمي والثقافي بين البلدين، في إطار ما تشهده العلاقات الرسمية من تطوّر بارز، وقد أثمر ذلك إنتاجاً علميّاً وثقافيّاً يفتح آفاقًا واسعة أمام استشراف مستقبل العلاقات البينية؛ بما يحقق مصلحة الشعبين الصديقين.

وأكدت نائب المدير العام لدار انتركونتننتال قوان هونغ حرص الدار على تطوير العلاقات مع المؤسسات العلمية والثقافية السعودية، ومن ذلك يأتي الحرص على المشاركة كل عام في معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي يعدُّ أحد أهم معارض الكتاب في العالم، وأشارت إلى اعتزاز الدار بالتعاون مع مركز البحوث والتواصل المعرفي، وبما أُنجز في مشروع النشر المشترك، مع تطلع دائم إلى ترسيخ هذه العلاقات، من خلال أعمال بناءة تنعكس إيجابًا على التبادل العلمي والثقافي بين البلدين.

وأوضحت مديرة مركز النشر تشيو هونغيان اهتمام الدار بالشراكة الإستراتيجية مع المؤسسات السعودية ذات الاهتمام بالفكر والثقافة، واصفة التعاون مع مركز التواصل المعرفي بالنموذج الذي تعتز به الدار في تقديم منتج ثقافي يحقق أهداف تطوير العلاقات بين البلدين.

وأعربت مديرة قسم التعاون الدولي يانغ شيويه عن حرص الدار الدائم على تمتين العلاقات مع المركز، بتوظيف إمكانات الجانبين في الإنتاج الثقافي والعلمي المحقق للتقارب بين الشعبين، مشيرة إلى أهمية التعاون في كثير من المجالات المعرفية والثقافية، التي تعزز العلاقات الرسمية، وقد خطت خوات واسعة في شتى الميادين.

وقدم المشاركون في اللقاء اقتراحات لمشروعات مستقبلية يمكن أن يتبناها مركز البحوث والتواصل المعرفي ودار انتركونتننتال الصينية للنشر لدفع التعاون بينهما في التبادل العلمي، ونشر الأعمال المميزة التي تحقق تواصلاً إيجابيًا، ومعرفة أعمق بواقع الحال في البلدين.

Chinese-Arab-exchange 01
Chinese-Arab-exchange 02
Chinese-Arab-exchange 03
“المشهد الموريسكي: سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث”

“المشهد الموريسكي: سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث”

حسام الدين شاشية

صدر عن مركز البحوث والتواصل المعرفي في الرياض، بالاشتراك مع مُؤسسة التميمي في تونس كتاب “المشهد الموريسكي: سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث” لأستاذ التاريخ الحديث بجامعة تونس حسام الدين شاشية، تقديم أستاذ التاريخ الثقافي لطفي عيسى.
يتكون الكتاب من 640 صفحة تنقسم إلى مُقدمة، وثلاثة أبواب وخاتمة، ثم قسم للملاحق وقسم لعرض الوثائق الأرشيفية، إضافةً إلى المصادر والمراجع التي اعتمدها الكاتب في عمله الضخم.
يقول الكاتب في مُقدمة الكتاب: إنَّ الهدف الأساسي الذي وضعهُ لعمله أن يُقدِّم للقارئ قراءةً واضحة لتطور الفكر الإسباني تجاه المسألة الموريسكية خلال الفترة الحديثة، في إطار محاولته تفسير تزايد الاهتمام بالتاريخ الموريسكي في شبه الجزيرة الإيبيرية، أو الإجابة عن سؤال: ما الذي يجعل إسبانيا الرسمية وغير الرسمية، إسبانيا الأكاديمية، الفنية، الأدبية والصحفيَّة إلخ، تستحضر هذا التاريخ بطُرق مُختلفة وبشكل مُتواتر، وخصوصًا خلال العشريتين الأخيرتين؟
يرى المُؤلف أنَّ تزايد الاهتمام بالتاريخ المُوريسكي، يُعبِّر بالضرورة عن حاجة، فإذا ما قوربت المسألة من زاوية بحثية وصحفية، فهي حاجة للمعرفة، ومن ثَمَّ، إقرار عكسي بنقص المعرفة. أما إذا ما قورب الموضوع من زاوية فنية وأدبية، فهي حاجة لبعث أو خلق حالة أو تصوُّر أدبي وفني للموضوع، للقولبة الجمالية والدرامية. أمَّا من وجهة النظر الاجتماعية والثقافية والسياسية، فهي، حسب رأيه، تعبيرٌ عن حالة القلق والتوتر التي عاشها ويعيشها المُجتمع الإسباني تجاه المسألة الموريسكية.
بالنسبة إلى عنوان الكتاب الأساسي؛ أي “المشهد الموريسكي”، فقد استوحاه الكاتب كما يذكر من كتاب جون لويس غاديس “المشهد التاريخي”، الذي حاول الإجابة عن سؤال: “كيف يرسم المُؤرخون خارطة الماضي؟”، في حين أنَّ عمل شاشية يُحاول الإجابة عن سؤال: كيف رسم الكُتَّاب الإسبان خلال الفترة الحديثة خارطة المسألة الموريسكية؟
اعتمد الكاتب في عمله على مُقاربة راوحت بين استعمال المنهج التأويلي والمنهج الكمي، حسب المُعطيات والنصوص التي توفرت لهُ عن كُلِّ فترة، فالعمل ثريٌّ بالرسوم البيانية والإحصائيات المتنوعة، التي ساهمت في فهم أنساق التطور وتنوعاتها.
اتبع شاشية في مُستوى التخطيط، تخطيطًا كرونولوجيّاً، يقوم على ثلاثة فصول، متفاوتة من حيث الطول، نتيجةً لتفاوت المواد المصدرية من فترة إلى أخرى، حيث عنون الفصل الأول من الكتاب بـ: “كم يوجد في هذا العالم من أشخاص يخشون الآخرين لأنهم لا يشبهونهم!”: كتابات القرنين السادس عشر والسابع عشر”، أين دُرست المسألة الموريسكية في الكتابات الإسبانية للقرنين السادس عشر والسابع عشر، عندما كان حضور الموريسكيين ماديّاً وعلنيّاً بشبه الجزيرة الإيبيرية (حتى نهاية الطرد سنة 1614م). في هذا الفصل، قام بقراءة واسعة في عدد مهم من الكتابات الإسبانية المتنوعة، أي من منظور كتابات ما يُعرف بـ: “التأريخ التبريري “Historiografía apologética، الذي كان معظم مؤلفيه من رجال الدين، ثم الكتابات الإخبارية، فالأشعار والأناشيد، وتلتها الكتابات الروائية والمسرحية.
أما في الفصل الثاني المعنون بـ: “ليس من السهل على أيِّ أمة أن تكُف عن الوجود”: كتابات القرن الثامن عشر”، فقد حاول الكاتب، بدايةً، الوقوف على الحضور الموريسكي في إسبانيا ما بعد الطرد، ثم عالج الكتابات الإسبانية التي تناولت الموضوع الموريسكي، وجاءت في شكل تقارير، يوميات وكتابات صحفية، كما حاول أيضًا الوقوف على رمزيات إعادة طبع الأعمال التي عالجت المسألة الموريسكية في هذا القرن.
وعنون الفصل الثالث بـ: ” المطرودون يعودون!: كتابات القرن التاسع عشر”، وهو الفصل الأطول (جاوز 200 صفحة)، بالنظر إلى تنوُّع التأليف وازدياده حول الموضوع الموريسكي في القرن التاسع عشر، حيث حاول شاشية، بدايةً، تقديم لمحة تاريخية عامة عن إسبانيا في هذا القرن، ثم درس حضور المسألة الموريسكية في الكتابات الصحفية، فالكتابات المسرحية والروائية، وختامًا الكتابات “التاريخية”.
ونقرأ في خاتمة التقديم الذي خصَّ به أ. لطفي عيسى الكتاب ما يأتي: “وبالجملة تبدو محصّلة البحث الشيِّق والمفيد لحسام الدين شاشية حول تطوّر مدركات الإسبان للمسألة الموريسكية، وانتقال تمثلاتهم الجمعية من لُجَاجَةِ التبرير إلى اتّزان التنسيب، مرورًا بالتطبيع والمراجعة، قيمة وجد مفيدة في التعرُّف إلى مسار تحوّل وجهات نظر المدافعين على “الأسبنة” من دعاوي التمسّك المرضي بنقاء الهوية واستعصاء القبول بالغيريات، إلى إعادة الاعتبار تدريجيّاً لدور تلك الجماعات المنفيّة في رسم مشهد إسبانيا الحرة، وإدراج أولئك المظاليم ضمن تاريخ إسبانيا باعتبارهم جزءًا لا يتجزَّأ من الانتماءات المتشابكة والمتظافرة بين ضفَّتي البحر الأبيض المتوسط”.


* حسام الدين شاشية هو أستاذ وأكاديمي تونسي، مُتخصص في التاريخ الموريسكي والعلاقات بين شبه الجزيرة الإيبيرية وبلاد المغرب خلال الفترة الحديثة، لهُ عدد من المنشورات باللغات العربية والإسبانية والإنجليزية. حائز على جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في قسمي تحقيق المخطوطات والدراسات لسنة 2015م، التي يقدِّمها المركز العربي للأدب الجغرافي-ارتياد الآفاق، وجائزة الباحث الشاب في التاريخ لسنة 2020م المُقدمة من بيت الحكمة بتونس.
“التواصل المعرفي” في مؤتمر حواري صيني عربي

“التواصل المعرفي” في مؤتمر حواري صيني عربي

شارك مركز البحوث والتواصل المعرفي في الدورة الرابعة لمؤتمر “الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب العربية” التي فاق عددها الـ 70 حزبًا، إضافة إلى مشاركة عدد كبير من مراكز بحوث من مختلف الدول العربية، وذلك في المُدَّة من 13 – 18 يوليو 2023م، بمدينة ينتشوان في مقاطعة نيغيشيا الصينية.
مثل المركز الأستاذ فهد المنيعي، الذي ألقى كلمة في الندوة الفرعية الأولى بعنوان “أهمية التبادل الحضاري بين الصين والعالم العربي”، وقد شارك أيضًا في الفعالية الترويجية حول تجربة نيغيشيا بكلمة رئيسة لاقت استحسان الحضور.
وجرى على هامش المؤتمر عَقدُ عَددٍ من حلقات النقاش والندوات للتداول بشأن أبرز القضايا المشتركة بين الصين والعالم العربي، وآليات التعاون وسبل التنسيق بين الجانبين.
وأكدّ البيان الختامي للمؤتمر أهمية توثيق العلاقات الصينية العربية، ونقلها من المستوى الدبلوماسي إلى المستوى الشعبي للتعبير عن قِدم هذه العلاقة التاريخية، وضرورة التعاون والعمل في بناء مشروع الحزام والطريق؛ تحقيقاً للتبادل الحضاري والتكامل المعرفي، وكذلك تنسيق المواقف فيما يتعلَّق بالقضايا الكبرى؛ بما يخدم مصالح كل الشعوب، ويحفظ أمنها، واستقلالها، وسيادتها.
وأجرى ممثل المركز لقاءات مع عدد من المسؤولين الصينيين، أبرزهم وزير دائرة العلاقات الخارجية باللجنة المركزية للحزب الشيوعي السيد ليو جيانتشاو، ومساعده السيد تشو روي، وأمين لجنة الحزب الشيوعي الصيني في منطقة نيغيشيا ورئيس اللجنة الدائمة لمجلس نواب الشعب السيد ليانغ يانشون، ومدير إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا لدائرة العلاقات الخارجية السيد جياو تشيشين، إذ جرى تأكيد أهمية استمرار التواصل بين الطرفين من خلال التشاور، وتبادل الزيارات، وإطلاق برامج التعاون والمبادرات المشتركة.

China-and-Arab-parties-2
China-and-Arab-parties-3
China-and-Arab-parties-4
China-and-Arab-parties
العمل يدًا بيد لبناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية

العمل يدًا بيد لبناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية

فهد صالح المنيعي

يجمع بين الدول العربية والصين أخوة وشراكة وثيقة وصداقة عميقة، ويتجلَّى ذلك في الدعم المتبادل بينهما، سواء في حشد الجهود لمكافحة وباء كوفيد- 19 أو في مواجهة الأزمات السياسية العالمية، وتمسكهما بالعدالة والإنصاف، وتعزيزهما العلاقات بينهما باطراد في ظل الظروف غير المؤاتية، والعمل يداً بيد لبناء رابطة المصير المشترك للمستقبل الجميل في العصر الجديد بينهما.

مكافحة الوباء جنبًا الى جنب

منذ تفشي وباء كوفيد- 19، أسس الجانبان العربي والصيني تعاونًا نموذجيّاً في تبادل المساعدة لتوفير الموارد، والاشتراك في التجارب، وبحث وتطوير اللقاح، وهذا مثّل نموذجًا مثاليّاً لتبادل المساعدة والتغلب المشترك على الصعوبات.
عندما واجه الشعب الصيني أكبر صعوبة في مكافحة الوباء، بادرت الدول العربية إلى بذل كل ما في وسعها لدعم الصين. وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أول زعيم أجنبي اتصل بالرئيس شي جين بينغ للتعبير عن دعمه للصين في مكافحة كوفيد- 19؛ وأرسل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبعوثة خاصة إلى الصين للتعبير عن دعم أعمال الصين في مكافحة الوباء؛ وأعلنت الخطوط الجوية القطرية فتح “الممر الأخضر” لمواد مكافحة الوباء بالاستفادة من شبكة الخطوط الجوية العالمية لها، وتوفير خدمات مجانية لنقل مواد مكافحة الوباء التي حصلت عليها سفارات الصين في الخارج؛ وكانت الإمارات أول دولة قبلت اختبار المرحلة الثالثة للقاحات الصينية في الخارج.
في يونيو عام 2021م، تحقق الإنتاج المحلي للقاحات الصينية المضادة لكوفيد- 19 في مصر، أما بعد تفشي الوباء في الدول العربية، فقامت حكومة الصين مرات عدّة بتقديم الدعم، الأمر الذي يجسّد الصداقة العميقة بين الصين والدول العربية تجسيدًا حيّاً.

الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين

في يونيو عام 2014م، ألقى الرئيس شي جين بينغ كلمة مهمَّة في حفل افتتاح الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني-العربي، ووجّه الدعوة إلى الدول العربية للمشاركة في بناء “الحزام والطريق”.
في يوليو عام 2018م، أعلن الرئيس شي جين بينغ في حفل افتتاح الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني-العربي أن الجانبين الصيني والعربي أقاما الشراكة الاستراتيجية، ودعا إلى بناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية؛ لدفع بناء رابطة المصير المشترك للبشرية معًا، الأمر الذي حظي باستجابة حارة من الدول العربية.
بفضل الجهود المشتركة بين الجانبين الصيني والعربي، شهدت الشراكة الإستراتيجية العربية – الصينية المتسمة بالتعاون الشامل والتنمية المشتركة والموجهة نحو المستقبل مزيدًا من التعميق.
كما يُستكمل بناء منتدى التعاون العربي – الصيني يومًا بعد يوم، وتعمل مختلف الآليات في إطار المنتدى بفاعلية عالية وانتظام، واتفق الجانبان على عقد القمة العربية – الصينية الأولى في عام 2022م.
ووقعت الصين اتفاقيات تعاون بشأن “الحزام والطريق” مع تسع عشرة دولة عربية وجامعة الدول العربية، وأقامت شراكة التعاون الاستراتيجي مع اثنتي عشرة دولة عربية وجامعة الدول العربية.
وظهرت في الأماكن التي نُفذ فيها بناء “الحزام والطريق” ملامح متنوعة وملونة ومفعمة بالحيوية والنشاط، حيث تحققت منجزات مثمرة في التعاون في مجالات الطاقة، ومنشآت البنية التحتية، والتجارة، والاستثمار، وغيرها، ويشهد التعاون في تكنولوجيا الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والفضاء والطيران وغيرها من التقنيات العالية والحديثة تطوّرًا مزدهرًا.

التعاون المشترك

تبنَّت الدول العربية والصين نموذجًا يحتذى به للتعاون معًأ من أجل تعزيز السلام. ظلَّت الصين تهتمُّ بالشرق الأوسط، وتحترم سيادة دول المنطقة، واستقلالها، وسلامة أراضيها، وتدعم جهود شعوب المنطقة في استكشاف طرائق تنموية بإرادتها المستقلة، وتسام بحكمتها في صيانة الاستقرار وتعزيز السلام في المنطقة، وبذل جهود الوساطة لتسوية النزاعات.
في النصف الأول من العام الجاري (2023م)، قام مستشار الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي بجولتين في الشرق الأوسط، وطرح نيابة عن الجانب الصيني مبادرات ودعوات؛ مثل: المبادرة ذات النقاط الخمس بشأن تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، والرؤية الصينية ذات النقاط الأربع لحل المسألة السورية، والأفكار ذات النقاط الثلاث لتنفيذ “حل الدولتين” بين فلسطين وإسرائيل.
نظم الجانب الصيني ندوة الشخصيات الفلسطينية والإسرائيلية المحبة للسلام، ودعم جهود دول المنطقة في إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، ودعا إلى إنشاء منصَّة الحوار المتعددة الأطراف في منطقة الخليج.
ولاقت المبادرات والدعوات تقديرًا إيجابيّاً، واستجابة واسعة النطاق من دول المنطقة، وبخاصة الدول العربية، اذ إنها تركز في جذور الاضطرابات الطويلة الأمد في الشرق الأوسط، وتوفر سبلاً قابلة التنفيذ لحل القضايا الساخنة.

الخاتمة

من أجل بناء رابطة المصير المشترك للمستقبل في العصر الجديد بين الدول العربية والصين يدًا بيد، يجب على الجانبين العربي والصيني أن يكونا شريكين يعملان على التعاون والفوز المشترك والتنمية المشتركة.
وينبغي مواصلة دفع البناء المشترك لـ “الحزام والطريق “، وبعض المشروعات العملاقة مثل “رؤية2030 في السعودية” وكذلك غيرها من المشروعات في باقي الدول العربية، والعمل على تآزر إستراتيجيات التنمية بين الجانبين، وتوسيع التعاون في الطاقة ومنشآت البنية التحتية، والاتصالات، والطاقة النووية، والأقمار الاصطناعية الفضائية، والطاقة الجديدة، وغيرها من المجالات، ومواصلة إكمال إجراءات تسهيل التجارة والاستثمار، والاستكشاف المستمر للقوة الكامنة في التعاون في مجالات جديدة وبأشكال مبتكرة.

فهد صالح المنيعي، مدير وحدة الصين والشرق الأقصى بمركز البحوث والتواصل المعرفي.

• ورقة قدمها الباحث في “المؤتمر الأكاديمي الدولي للعلاقات الصينية العربية وبناء مجتمع المصير المشترك الصيني (يوليو 2023م)
المشهد الموريسكي.. سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث

المشهد الموريسكي.. سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث

صدرحديثًا عن مركز البحوث والتواصل المعرفي، الرياض ومؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، تونس كتاب“المشهد الموريسكي.. سرديات الطرد في الفكر الاسباني الحديث” للدكتور حسام الدين شاشية.
وجاء في تقديم المؤلف للكتاب: “تنبع الحاجة إلى هذا العمل في الأساس من رغبة للفهم؛ فهـم حالة القلق والتوتر التي يعيشها المجتمع الإسباني تجاه المسألة الموريسكية، وهـي، أيضا، رغبة أو طموح في المشاركة في كشف بعض جوانب “لعبة” الذاكرة، التاريخ، النسيان – لا يخفى على القارئ النبيـه أنـي هنا أستعير عنوان کتاب بول ريغور – وخصوصا في حالات القلق، بمعنى كيف تتعامل الذاكرة الجماعية وتحديدا المكتوبة مع الأحداث التاريخية المقلقة؟ فنحن هنا لا نبحث كيفية تذكر الفرنسيين لحدث استعادة الحلفاء لباريس مـن يـد النازيين سنة 1944م، أو كـيف تذكر الإيطاليون وكتبوا ماضيهم الإمبراطوري الروماني العظيم؟ بل نحن نحاول فهم، كيف تذكر الإسبان وكتبوا الحقبة الموريسكية، وخصوصا عملية الطرد.
مع أن الحدث كان مأساوياً مقلقا، كما هو الأمر بالنسبة إلى طرد الموريسكيين، أو سعيدا مبهجا، كحدث استعادة باريس، فإنه دائما استعمال مصطنع، أو كمـا يصـف بـول ريفور تعبير “عن اضطرابات الذاكرة المحرفة التي تعرضت للتلاعب”، بمعنى أننا نحاول في هذا الجانب من العمل الوقوف على مواضع التلاعب: خلفياته وتعبيراته.
وفي اعتقادي، إن هذا العمل قد استوفي كل ما هو مطلوب، وهذا لا يعني أننـي قـد أحطـت بـكل جزئيات جوانب المسألة وذراتها، لقد حاولت أن أقوم بعملي بوصفي مؤرخا، أي أن أقدم قطعتي الخاصة أو على حدّ تعبیر جون لويس غاديس، أن أرسم “لوحتي التاريخية الخاصة، التي يغلب عليها التكعيب والتمثيل”، فلا فائدة ولا حاجة نسخ الماضي نسخا حرفياً بكل تفاصيله”.

عرض للكتاب


تبدو الثقافة المتوسطية يافعة جميلة حتى وإن جاوز عمرها بعض آلاف السنين. غير أنّ دواعي المركزية الاوروبية لازالت تجد صعوبة جمّة في القبول بحقيقة التمازج الثقافي بين ضفتي تلك البحيرة، والحال أن ذلك هو أصدق تعبير عمّا شكّل ولا يزال هويتها على الحقيقية. فمن “دانتي إلى “سان جون دي لا كروى” يتعقّل الأوروبيون الطرافة الثقافية في توهّم نقائها المحض الذي يصرّ على نفي حضور أي مؤثرات خارجة عن المجال الاعتباري للثقافة الغربية. ويتحوّل ذلك النفي إلى أزمة ضمير كلما أثبت البحث بالبرهان والدليل تهافت القائمين على تلك “اليوتوبيا”، معترفا بحضور روافد عربية إسلامية تفنّد المزاعم المكذوبة لذلك النقاء الثقافي.
تلك من منظورنا الشخصي الاشكالية التي حاول حسام الدين شاشية التثبت من حقيقتها من خلال التصدّر لتحبير هذه العروض الشيقة لمؤلفه الجديد الممهور بـ “المشهد الموريسكي: سرديات الطرد في الفكر الاسباني الحديث”، وهو بحث ضخم وطويل النفس صدر في الأسابيع القليلة الماضية عن مركز البحوث والتواصل المعرفي بالرياض، متضمنا ثلاث محطّات زمنية كبرى، حاولت أولاها، تلك التي حملت عنوانا معبّرا مَتَحَ معناه من مقولة مشهورة: “كم يوجد في هذا العالم من أشخاص يخشون الآخرين لأنهم لا يشبهونهم”، أن يقرأ في الكتابات التبريرية لطرد الموريسكيين الموضوعة خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر في أجناسها المتنوعة (أخبار، وأشعار، وأناشيد، وروايات، ومسرحيات)، قصد فهم آليات اشتغال نوازع التبرير والاقصاء.
في حين اهتمت المحطة الثانية الموسومة في بلاغة مقتصدة بـ “ليس من السهل على أية أمة أن تكفّ عن الوجود”، بتقييم أشكال الصمود والتعافي التي أبدتها الهوية الموريسكية المنفيّة وذلك بالتعويل على تسريد ما تم خطّه من آثار حول تلك الاشكال الطريفة والمبتكرة خلال القرن الثامن عشر، سواء ضمن ما حملته عروض كتاب “أخطاء موريسكي غرناطة”، أو مؤلفات الراهبين “فرنثيسكو خيميناث” و”مالغور غارثيا نفاراو”، فضلا عن الاصداء التي خلّفتها عملية إعادة طبع تلك المدونات من تغطيات صحفية.
أُفردت بقية مضامين هذا التأليف لدراسة الأشكال المخصوصة في استدعاء الإسبان للذاكرة الموريسكية أو ما نعت بـ “عودة المطرودين”، مستهدفة السجال الحامي الذي عاينته أعمدة الصحافة، وكذا الاعمال الإبداعية أو الفنية، مسرحية كانت أو روائية، فضلا عن غضاضة الجدل الحامي الذي عاينته مؤلفات المؤرخين الإسبان الموضوعة خلال القرن التاسع عشر حول مفهومي “الفتح” و”الاسترداد”.

تساؤلات:


ولنا أن نتساءل بعد هذا التوصيف لمحتويات هذا الكتاب عن طبيعة الأبواب التي تخيّر حسام الدين شاشية تفكيك خطابها ووضعه موضع أزمة بُغية إثبات حقيقة انكار الشخصية الايبيرية الجامعة للتأثير الموريسكي؟ وإلى ما انتهى به تفكيكه الرصين لمفردات ذلك الخطاب المراوغة، قبل إعادة تركيبها والتعرّف تبعا على سياقات طرد الموريسكيين وتراجيديا ترحيلهم وتوطينهم؟
حاول مؤلِّف البت في تشكّل الرؤية التي حملها الكتّاب الإسبان حول هذا موضوع على امتداد أربعة قرون، قاصدا رسم ما وسمه تأسّيا بـ “جون لويس غاديس” بـ “لوحته التاريخية الخاصة”، موازيا وفق عبارة “بول ريكور” الرائقة بين “الفائض من الذاكرة هنا، والفائض من النسيان هناك”، في محاولة للكشف عمّا يتخفّى وراء قلق المجتمع الاسباني وتوتّره حيال المعضلة الموريسكية، ورصد مواضع التلاعب بالذاكرة وتعريّة خلفيات ذلك التلاعب أيضا.
ضمن هذا إطار خّصّص القسم الافتتاحي للخطابات الدينية التبريرية لقرار الطرد، متعرّضا إلى تأرج المصادر الإخبارية الإسبانية للقرن السادس عشر بين دواعي الانكار وضرورات القراءة في سياقات ثورات الموريسكيين بغرناطة وبلنسيّة وفق ما كشفت عنه مؤلفات “أورتادو دي ميندوثا”، و”خينيس بيراث دي هيتا” و”لويس دال مرمول كربخال”، و”أنطونيو كورال إي روخاس”، مع التشديد على سقوط مختلف تلك المعالجات في التحقير والدونية، وانعدام الثقة في تنصّر تلك الجماعات المضطهدة وسحقها الثقافي، وتعمُّد جبّ جميع ما شكل تأصيلا لشخصيتها وثقافتها العربية والإسلامية.
على أن مواقف الشعراء المعاصرين إزاء قرار الطرد لم تخرج هو أيضا من موقع العداء المعلن، لذلك غابت عنها الصور الشعرية المبتكرة، إذا ما استثنينا قصائد “غاسبار أغيلار”، تلك التي لم تخل وفي مواقع عدة من حضور إعجاب بشجاعة العربي وفروسيته. في حين سقطت بقية الأشعار في نوع من السرد المباشر للوقائع والأحداث، وغطت على شاكلة الصحف السيارة نبض المواقف الرسمية المتشدّدة للحكام ورجال الكنيسة أيضا في مناكفتهم لمن وُصِمُوا بالهراطقة وأصحاب النحل الضالة. فقد اتفقت المضامين الشعرية على تمجيد انتصارات الملوك الكاثوليك في مواجهتهم لثورات الموريسكيين بـ “البُشرات” و”الأغوار”، والوقوف في ضفّ قرار فيليب الثالث القاضي بطردهم، مع تصويرهم في ثوب الخونة، والدمويين، والكفرة المبغضين لإسبانيا وللديانة المسيحية.
والمربك أن الاعمال الروائية التي تمحورت حول مغامرات الشطار أو الصعاليك، وفي مقدمتها فريدة “ميغال دي ثرفنتس” (ت 1616م) “دون كيخوته”، وكذلك المسرحيات المعروضة خلال القرن السادس عشر وبداية القرن الذي يليه، وهي روايات غلب على جميعها الطابع الرومنسي قبل ثورة البُشرات، قبل أن يلفها الصمت ضمن عروض ما نُعت بمسرح العصر الذهبي الـمُتهيّب من إدانة المجتمع الطارد، لم تركّز من جانبها على البعد المأسوي لحدث الطرد، بحيث بقي خطابها مشُوبا بكثير من التوّرية والإبهام. وهو ما تجاوزته الأعمال المسرحية للقرن السابع عشر على غرار مسرحيات “لوبي دي فيغا” و”كالديرون دي لاباركا” في تعاملها مع معظم الشخصيات الموريسكية باعتبارها مسيحية المعتقد وإسبانية الهوى والمنبت، مع التركيز سُخرية، على غبائها الفطري، وشدة شراهتها، وضعف نجابتها في حذق اللسان الإسباني.

القسم الثاني


تعرّض القسم الثاني من كتاب المشهد المورسكي لحسام الدين شاشية إلى واقع الشتات وإلى صعوبة إحصاء عدد من طالهم النفي منهم وتوضيح أشكال انصهارهم ضمن المشهد النصراني الإسباني. وهو مشهد انتهى إلى القبول بنوع من التطبيع مع ذلك الحضور بعد أن جابهه بموجة من التهجير القسري الـمُتّسِم بمنتهى الصلف والاستباحة طوال القرن السادس عشر. وتلك حقيقة أكدتها شهادات الرحالة المغاربة، على شاكلة ما حمله مؤلف الوزير محمد الغساني “رحلة الوزير في افتكاك الأسير”، تلك التي تمت أواخر القرن السابع عشر (1690 – 1691)، وكتابات السفيرين المغربيين مهدي الغزال في رحلته الموسومة بـ “نتيجة الاجتهاد في المهادنة والجهاد”(1766 – 1767)، ومحمد بن عثمان المكناسي الذي زار إسبانيا بعد أكثر من عشر سنوات (1779 – 1780)، مُصَنِّفا حول رحلته مؤلفه الموسوم بـ “الإكسير في فكاك الأسير”.
على أن البتّ في حضور ذلك الشتات من منظور مدركات سكان إسبانيا خلال القرن الثامن عشر هو ما أثار فضول مؤلِف كتاب “المشهد الموريسكي” على الحقيقة، لذلك لجأ إلى الفهرس الرقمي للمكتبة الوطنية الاسبانية بِغرض القيام بمسح كمي أسعفه في رسم صورة تقريبية عن حجم ذلك الشتات مقارنة بما كانت عليه أوضاعه خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، وما آلت إليه الأوضاع لاحقا من قلّة اكتراث مزعومة قبل أن يحتل ذلك الشتات مجدّدا موقع الصدارة مع حلول ثلاثينات القرن التاسع عشر.
شكل هذا الوازع فرصة لمعاودة زيارة جملة من المؤلفات على غرار استعراض محتويات مجهول “أخطاء موريسكي غرناطة” الذي عكس تطورا ملحوظا في التعامل مع الغيرية الثقافية والتسامح معها إلى حد ادراج شتات تلك الغيرية ضمن جُـمـّاع ساكنة إسبانيا النصرانيين. وهي فرضيّة دعمتها مؤلفات الراهبين فرنثيسكو خيمناث، “مستعمرة التثليث في تونس”، ومالغور غرثيا نفاراو، “مهمات تحرير الأسرى في أفريقيا (1723 – 1725)”، والتي تضمنت مشاهداتهما بشمال إفريقيا ولقاءاتهما بالمستوطنين من ذوي الأصول المورسكية الإسبانية بإيالة تونس، والتنويه بتفوق أولئك معرفة وكياسة وملاطفة على مختلف مكونات ساكنة تلك الإيالة المحسوبة على المجال العثماني.
كما أن مقاربة المادة الصحفية التي يعود حضورها رسميا إلى ستينات القرن السابع عشر بخصوص نفس المسألة بالتعويل على جرد محتويات الأرصدة المحفوظة بالمكتبة الوطنية الاسبانية منذ سنة 1683 قصد استكشاف تطوّر النظرة إلى الغيرية الموريسكية، قد مكّن من ناحيته من إثبات حقيقة تطابق تلك المضامين مع ما أوردته تقارير الرحلات والمؤلفات الموضوعة في نفس الغرض، في تشديدها على شاغلين محوريين هما: تأثير قرار الطرد في التدهور الديمغرافي لساكنة إسبانيا وارتباط ذلك الفراغ بتهجيرهم القسري.
وهي حقائق أكدت عليه الأقلام التقدميّة ذات النفس الإصلاحي التحرّري، وذلك في مقابل تمسّك الصحافة الرسمية بتصوّراتها الدينية المحافظة إزاء نفس القضية المتصلة بسوء التقدير الذي صاحب إقصاء المورسكيين عن أوطانهم الأصلية.

القسم الثالث


أفرد المؤلِف للقسم الثالث من بحثه حيّزا واسعا للحديث عن “عودة المطرودين” في كتابات القرن التاسع عشر، معتبرا أن تلك العودة المتخيَّلة قد نزعت إلى انجاز عملية تطهير لذاكرة مصدومة حوّلت المعضلة الموريسكية إلى شاغل محوري توسّعت في تحليله أعمدة الصحف، كما الأعمال الإبداعية والعروض التاريخية أيضا. فقد عاشت البلاد على وقع تفكّك عالم قديم وبناء مجتمع جديد تراجعت ضمنه هيمنة الكنيسة الكاثوليكية بشكل ملحوظ لتبرز مسوغات “الأسبنة” وتتنامى مشاعر الاعتزاز بالذاتيات الإقليمية، كما هو شأن ساكنة منطقتي “الباسك” و”قطلونيا”.
وهكذا فقد تزايد الاهتمام بالمسألة الموريسكية على أعمدة الصحف تناسبا مع التحولات الطارئة على السياق التاريخي، ومراجعة قرار الطرد باعتباره خطأ تاريخيا فادحا، غالبا ما تم استدعاؤه لتفسير تراجع إسبانيا اقتصاديا وديمغرافيا وثقافيا، مع حضور تعاطف لافت مع من طالهم الطرد وأزعجتهم ملاحقة محاكم التفتيش، واعتبار الحرب التي خاضتها السلطة الملكية لاستئصالهم بوحشية وهمجية لا توصف، حربا أهلية لا حربا دينية، خرج منها الجميع خاسئا مكسورا. الشيء الذي ينهض حجّة على الانقلاب الطارئ على سردية الطرد من مجال التبرير إلى موقع الإدانة.
فقد شدّدت الآثار الأدبية والفنية على نفس السجل في التعامل مع جديد القيم، محاولة استغلال سياقات الطرد على أيام اسبانيا المتديّنة المنغلقة، قصد الإعلاء من شأن الأفكار التحرّرية والتقدّيمية والتنويريّة، على غرار ما تضمنته مسرحيات “ابن أمية أو ثورة الموريسكيين بزعامة فرناندو دي فالور” لـ “فرنثيسكو دي لا روزا (ت 1862م)”، ومسيحيون وموريسكيون” لـــ “استيباناث كالديرون” (ت 1867م)، و”سليم-المنصور [المعروف باسم كارباو] أو الموريسكيون البلنسيون” لـ “خواكين باردو” (ت 1895م) التي تمحورت أحداثها حول قصص الحبّ المستحيل، ومسرحية “أم الكرم أو طرد الموريسكيين” لـ “فيسنت بواكس” (ت 1880م) التي تعمّدت هي أيضا إحياء نفس حالات التمزق العاطفي بين المسيحيين والموريسكيين، و”طرد الموريسكيين”، لـ “خوسيه دي فاليا إي رودريغاث” (ت 1905م) التي شدّدت على ضرورة استبدال الحقد بالأخوة الصادقة والعمل على نشر قيم التسامح والقبول بالاختلاف. ولعل ما ينبغي التنويه به بهذا الصدد هو حضور تأثير واضح لأسلوب الكتابة المسرحية عند “سرفنتيس” من خلال أسلوبه الجذاب في صياغة رواية “الريكوتي وابنته” على مختلف هذه العروض الأدبية المسرحية التي تم تأليفها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

المصنفات التاريخية


بقي أن نشير إلى أن المصنفات التاريخية الموضوعة خلال نفس الفترة، لم تشذّ بدورها عن هذه العودة القوية أو “الافتتان بـعودة الموريسكيين”، وذلك على غرار ما حملته مؤلفات: “لغة الموريسكيين وآدابهم” لـ “باسكوال دي غاينغوس” الذي تم نشره سنة 1839م، و”أفكار حول ثورة الموريسكيين، وإحصاء للسكان” لـ “أوراليانو فيرنانداث-غارا إي أوربي” الصادر في غضون سنة 1840، و”التاريخ العام لإسبانيا” لـ “موديستو لافونتي” المشور سنة 1850، وكتاب “الأوضاع الاجتماعية للموريسكيين بإسبانيا” لـ “فلورنثو خانر” الصادر سنة 1857م، و”مذكرة تاريخية عن طرد الموريسكيين من إسبانيا في عهد فيليب الثالث” لـ “ماتياس سانغرادور إي فيتوراس” المنشور سنة 1859م، و”تاريخ ثورة الموريسكيين وطردهم من إسبانيا وعواقبه على سائر أقاليم المملكة” لـ “خوسي منيوث إي غفيريا” الصادر خلال ستينات نفس القرن، فضلا عن كتاب “تاريخ الهراطقة” لـ “مارثيلينو مانديث إي بيلاتو” الذي صدر في عدة أجزاء بين أواخر سبعينات وبداية ثمانينات القرن التاسع عشر.
وتُظهر المعالجة التاريخية التي حظيت بها المسألة الموريسكية تحاشي معظم دارسيها السقوط مجدّدا في التبرير والتحلّي بالاتزان والمراجعات العميقة، والقطع مع التصوّرات التي تعوّد الاخباريون تسويقها بهذا الخصوص، حتى وإن تمسّك بعضها بِنَفَسٍ محافظ يعيد القارئ إلى مربع التبرير وذلك بعد مُضيّ ما لا يقل عن ثلاثة قرون عن حصول تلك الصدمة الفاجعة.

خلاصة


ما الذي يمكن الخروج به بعد استعراض مختلف مكونات هذه العروض الدسمة المفيدة حول ما وسمه حسام الدين شاشية بـ “المشهد الموريسكي”؟
ينبغي التأكيد بداية على تطوّر مدركات ساكنة ايبيريا الكاثوليكية بخصوص من شاركوهم نفس الانتماء من بعد تورّطهم في إقصائهم لعشريات مديدة. فقد عول أولئك على دعاوى التخوين والتكفير قصد تبرير ذلك التصرّف المشين، الشيء الذي أشْرَعَ أمام وضعي أخبار ذلك الحدث الفارق من مؤرخين ومستلهميه من شعراء ومسرحيين مبدعين أيضا، بابا للتحقير والشيطنة والتقزيم لم يخل في أحايين كثيرة من تنسيب وتعديل.
ولئن شهد القرن الموالي تراجعا لتلك الحملات الـمُغرضة، مع الدفع بشكل واعي أو من دونه باتجاه التجاهل ومحو ذاكرة الطرد الصادمة، فإن أبرز الكتابات التي تعرّضت إلى نفس المسألة قد أبدت من ناحيتها قدرة على مراجعة مختلف الأفكار الخاطئة حول تلك المعضلة العويصة، دافعة نحو إتمام العديد من التعديلات التي أفادت منها كثيرا الأدبيات الصحفية كما العروض المسرحية والمعرفية الغزيرة الموضوعة بخصوص ما وسمه المؤلِف بـ “عودة الموريسكيين” خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن الذي يليه.
واعتبارا لجميع هذه التصورات فقد بدت لنا محصّلة كتاب حسام الدين شاشية الجديد شيقة ومفيدة، بحيث أتت على تطوّر مدركات الإسبان الجمعية للمسألة الموريسكية وانتقالها من لُجَاجَةِ التبرير إلى اتّزان التنسيب، مرورا بالقبول بالمراجعة والتعريف بمسار تحوّل وُجْهات نظر المدافعين على “الأسبنة” من دعاوي التمسّك المرضي بنقاء الهوية واستعصاء القبول بالغيريات، إلى إعادة الاعتبار تدريجيا لدور تلك الجماعات المنفيّة في رسم مشهد إسبانيا الحرّة وإدراج أولئك المظاليم ضمن تاريخ إسبانيا، وذلك باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من الانتماءات المتشابكة والمتضافرة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط.

إعداد: خالد وحش


المصدر: مركز الصفوة للدراسات الحضارية

المشهد الموريسكي.. سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث

«المشهد الموريسكي» كتاب يحلل قلق المجتمع الإسباني إزاء المعضلة الموريسكية

صدر حديثًا عن مركز البحوث والتواصل المعرفي، الرياض ومؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، تونس كتاب «المشهد الموريسكي.. سرديات الطرد في الفكر الاسباني الحديث» للدكتور حسام الدين شاشية.
يحلل الكتاب مُختلف التمثلات الإسبانية والعربية للتاريخ الموريسكي منذ بداية الفترة الحديثة إلى اليوم، والبحث في تطور حضور هذا التاريخ في النصوص الأدبية والإخبارية الإسبانية للعصر الذهبي (القرنين 16 و 17).
ويدرس التناول الإسباني والعربي للمسألة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أي من خلال النصوص ذات الطبيعة التاريخية، والصحف، وأدب الرحلة، والروايات والمسرحيات، كما يبحث في التمثل العربي التاريخي والأدبي المعاصر للتاريخ الموريسكي وكيف تطور كمّاً ونوعاً.
حاول مؤلف «المشهد الموريسكي » البتَّ في تشكُّل الرؤية التي حملها الكتّاب الإسبان حول هذا الموضوع على امتداد أربعة قرون، قاصدًا رسم ما وسمه تأسّيًا بجون لويس غاديس بـ «لوحتها لتاريخية الخاصة »، موازيًا وفق عبارة بول ريكور الرائقة بين “الفائض من الذاكرة هنا، والفائض من النسيان هناك “، في محاولة للكشف عمّا يتخفَّى وراء قلق المجتمع الإسباني وتوتره حيال المعضلة الموريسكية، ورصد مواضع التلاعب بالذاكرة وتعرية خلفياتها.
وضمن هذا الإطار خصّص القسم الافتتاحي للخطابات الدينية التبريرية لقرار الطرد، والتعرض إلى تأرجح المصادر الإخبارية الإسبانية للقرن السادس عشر بين دواعي الإنكار وضرورات القراءة في سياقات ثورات الموريسكيين بغرناطة وبلنسيّة وفق ما كشفت عنه مؤلفات أورتادو دي ميندوثا، وخينيس بيراث دي هيتا، ولويس ديل مارمول كربخال، وأنطونيو كورال إي روخاس، مع التشديد على سقوط تلك المعالجات في التحقير والدونية وانعدام الثقة في نصرانيَّة تلك الجماعات المضطهدة وسحقها الثقافي وتعمُّد جبّ جميع ما شكَّل تأصيلاً لشخصيتها وثقافتها العربية والإسلامية.
لم تخرج مواقف الشعراء المعاصرين إزاء قرار الطرد هي أيضًا من موقع العداء المُعلن، وغابت عنها الصور الشعرية المبتكرة، فيما عدا قصائد غاسبار أغي الر، تلك التي لم تخل في عدة مواقع من حضور إعجاب بشجاعة العربي وفروسيته، في حين سقطت بقية الأشعار في نوع من السرد المباشر للوقائع والأحداث، وغطَّت، على شاكلة الصحف السيَّارة، نبض المواقف الرسمية المتشدّدة للحكام ورجال الكنيسة.

في لقاء مع “جلوبال تايمز” الصينية.. مدير وحدة الصين بمركز “التواصل المعرفي” مبادرة الحزام والطريق تنسجم مع رؤية المملكة 2030

في لقاء مع “جلوبال تايمز” الصينية.. مدير وحدة الصين بمركز “التواصل المعرفي”
مبادرة الحزام والطريق تنسجم مع رؤية المملكة 2030

“مبادرة الحزام والطريق (BRI) تنسجم مع رؤية السعودية 2030، والفوائد متوقعة دائمًا”، هذا رأي أبداه مدير وحدة الصين والشرق الأقصى في مركز البحوث والتواصل المعرفي فهد المنيعي، الذي أكد أنَّه إذا بذلت الدول العربية والصين جهودًا مشتركة لتعزيز مبادرة الحزام والطريق، فسيكون هناك وضع أفضل في المستقبل
في الوقت الذي يزور فيه الرئيس الصيني شي جين بينغ المملكة، جاءت هذه المقابلة من مراسلي جلوبال تايمز (جي تي) يو جينكوي وشينغ شياو جينغ مع المنيعي في الرياض، لمعرفة وجهات نظره حول كيفية تعاون البلدين بشكل أفضل في إطار مبادرة الحزام والطريق، فضلاً عن تعميق العلاقات العربية الصينية.

في عام 2016م، عندما زار الرئيس شي جين بينغ المملكة العربية السعودية، تم الارتقاء بالعلاقات الصينية السعودية إلى شراكة إستراتيجية شاملة. شي يزور السعودية مرة أخرى، والسعودية هي الدولة العربية الأولى التي يزورها بعد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، كيف نفهم أهمية هذه الزيارة للعلاقات الثنائية؟
لا شك أنَّ هذه الزيارة تاريخية؛ لأنَّ المملكة العربية السعودية تقدر علاقتها مع الصين، خصوصًا وجود الرئيس الصيني في الرياض، وسيكون هناك مزيد من التحسُّن في العلاقة، وهي متعددة الأوجه، تراوح بين التجارة والثقافة.
في الواقع، إنَّها تبادل مصالح بين البلدين، فضلاً عن علاقة صداقة عميقة. الصين هي الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، مما يسهم في تطوير هذه العلاقة، وستسفر القمة عن نتائج مهمة تتطلع إليها الصين في المنطقة، كما الحال بالنسبة إلى المملكة.
كيف تقيمون التعاون بين الصين والسعودية خلال السنوات الست الماضية؟ في رأيك، ما المجالات التي يمكن للجانبين تعميق تعاون فيها؟
بلغ التعاون بين الصين والسعودية ذروته في السنوات القليلة الماضية، ونجحتا في تأسيس عدة شركات ناجحة في مشروعات الطاقة والصناعات المتطوّرة وغيرها، أما المجالات التي ينبغي على الجانبين تعميقها، فتتمثَّل في الاستثمار في مشروعات عملاقة في المملكة، مثل: مشروع نيوم (مدينة تربط آسيا وأفريقيا وأوروبا يجري بناؤها في منطقة تبوك في شمال غرب المملكة العربية السعودية)، والاستثمار في السعودية من خلال الشركات الصينية سيكون بلا شك مفيداً لاقتصاديات البلدين.
هل يمكن القول إن هناك تراجعًا في العلاقات السعودية الأمريكية؟
علاقة السعودية بأمريكا علاقة تاريخية تمتدُّ لأكثر من 80 عامًا. ولا يمكن زعزعة الجانب الأقوى في العلاقات السعودية ـ الأمريكية، الذي يتمحور حول الجانب الأمني، والتحالف الإستراتيجي.
المسار الملحوظ للتذبذب في العلاقات مرتبط بالجانب الاقتصادي، إذ تعدُّ السعودية أكبر مصدر للطاقة في العالم، ولها أن تصدرها إلى حيث شاءت من الدول، ومن بينها الصين، بمعني أن السعودية تراعي مصالحها الاقتصادية، وهذا لا يعني إطلاقًا تحولاً في العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، التي لا يمكنها أن تتخلَّى عن المنطقة، بسبب موقعها الجغرافي، ودورها الأمني الأساسي، والتعامل مع الأحداث، أما الصين فليس لديها الرغبة بأن تكون حليفًا أمنيًا لدول المنطقة لسببين، الأول: تاريخي يتمثّل في غيابها التاريخي عن المنطقة، والسبب الثاني: أنَّ علاقاتها مع جميع دول المنطقة أفقية، فهي لا تتدخل في الصراعات الإقليمية في المنطقة.

غالبًا ما تصور وسائل الإعلام الغربية علاقات الصين الطبيعية مع الشرق الأوسط على أنها تشكل تحدِّيًا لهيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ما رأيك؟
هذا غير صحيح. هناك تباين في المنافسة الأمريكية الصينية من الناحية الاستراتيجي. يركز الوجود الصيني في الاقتصاد، في حين أن الوجود الأمريكي هو وجود أمني يقوم على تحالفات إستراتيجية واقتصادية، إلى جانب تاريخ طويل من العلاقات المباشرة. أما الوجود الصيني فيركز في التنمية الاقتصادية المنبثقة عن مبادرة الحزام والطريق.
ما نوع الفرص والتأثيرات التي تعتقد أن مبادرة الحزام والطريق جلبتها إلى المملكة العربية السعودية ودول أخرى في الشرق الأوسط؟
أعتقد أن مبادرة الحزام والطريق تنسجم مع رؤية السعودية 2030، والفوائد متوقعة دائمًا. ومن الأمثلة على التقارب بين المشروعين، ما اتّخذته المملكة من خطوات لإحياء مشروع طريق الحرير، من خلال إنشاء شركة طريق الحرير السعودية في منطقة جازان، حيث يوجد كثير من الشركات الصينية، التي تعمل في مجالات الطاقة والمقاولات، وغيرها من المجالات.
هذه المنطقة هي واحدة من الأذرع الاقتصادية الجديدة للمملكة، التي ستسهم في جذب كثير من الاستثمارات الأجنبية في مختلف المجالات: الزراعة، والسياحة، والصناعة، إلخ.
يشهد الرئيس شي القمة الأولى للصين والدول العربية والصين- القمة الخليجية في الرياض، ما القوة الدافعة لتوثيق التعاون بين الصين والدول العربية؟
من المتوقع أن تكون هناك رغبة في هذه القمم لتوثيق العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، والتي لها الأهمية نفسها في الوقت الحاضر في تعزيز العلاقات الصينية العربية، إذ من المتوقع أن يكون لديهما وضع أفضل في المستقبل، إذا بذلت الدول العربية والصين جهودًا مشتركة لتعزيز مبادرة الحزام والطريق، وهي إطار دبلوماسي واقتصادي قائم على مبدأ التشاور الواسع، والمساهمة المشتركة، والمنفعة المتبادلة.
كما سيتم تحديث التعاون العملي في مجال الطاقة، مثل: إنشاء البنية التحتية الأساسية، وتسهيل التجارة والاستثمار بوصفهما جانبين مهمين لهذا التعاون، وتبادل التقنيات العالية والجديدة في مجالات الطاقة النووية والطاقة المتجددة، وتقنيات الأقمار الصناعية الفضائية.
تتطلع الصين ودول المنطقة إلى تعاون أوثق وأعمق في المستقبل، من خلال عدة مجالات مهمَّة، على سبيل المثال: الثقة السياسية المتبادلة، والتعاون الأمني، والتعاون التنموي والاقتصادي والتجاري، والتواصل الحضاري، والمصالح المشتركة.
هل يمكنك الحديث علاقاتك مع الصين بإيجاز؟ على سبيل المثال، متى بدأت دراسة الصين؟ ما الموضوعات المتعلِّقة بالصين التي تثير اهتمامك أكثر؟
نعم، لدي علاقة طويلة الأمد مع الصين والصينيين، بدءًا من دراستي في بكين في الجامعة في عام 2007م حتى يومنا هذا.
مكثت في بكين ست سنوات، تعلمت خلالها اللغة الصينية، وكوّنت صداقات رائعة، وتعرفت أيضًا إلى الصين والصينيين من كثب. تعرفت إلى ثقافة الشعب الصيني واهتماماته، وأعمل حاليًا في مركز البحوث والتواصل المعرفي مديرًا لوحدة الصين والشرق الأقصى.
أما بالنسبة إلى الموضوعات التي تهمني والمتعلِّقة بالصين، فهي جميع مجالات المعرفة، مثل: الحضارة والثقافة، ومؤخرًا الاقتصاد

واس: مركز البحوث والتواصل المعرفي يطلق مجلة بعنوان ” أوراق استشرافية “

واس: مركز البحوث والتواصل المعرفي يطلق مجلة بعنوان ” أوراق استشرافية “

أصدر مركز البحوث والتواصل المعرفي مجلة فصلية بعنوان “أوراق استشرافية”، في شهر يناير 2023م لترجمة الدراسات المستقبلية، من منطلق أن استشراف المستقبل هو التطلع الدائم إلى صورة الزمن المقبل من خلال شحذ الأذهان وتشكيل فكر مستقبلي عربي ينبع من احتياجات المجتمعات العربية.
وأوضح رئيس المركز الدكتور يحيى محمود بن جنيد في استهلال العدد الأول: أنه لما كان استشراف المستقبل وأدبياته المتداولة يأتي أغلبه من مصادر غير عربية، وجد المركز أن أفضل خدمة يمكن تقديمها للمهتمين بدراسات المستقبل في المملكة على نحو خاص والناطقين بالعربية على نحو عام، هو الارتكاز على ترجمة دراسات مستقبلية منشورة في دوريات علمية محكمة تلامس جوانب ذات فائدة، وتسهم في ترسيخ قواعد للفكر المستقبلي، مشيرًا إلى عناية بعض الدول في الوقت الراهن بتأسيس مراكز ومعاهد تخص تنمية قدرات التفكير المستقبلي وفق الخطوات التي تقود إلى استخراج رؤية تنم عما سيحدث في قادم الأزمان، سواءً فيما يتعلق بتطور البنية الحضارية، أو وقوع كوارث وأزمات مؤثرة في مسار الدولة الواحدة أو العالم.
واشتمل العدد على جملة من الدراسات المنتقاة، التي تشكل نماذج للموضوعات التي ستنشر مستقبلاً، أولها دراسة بعنوان “مستقبل صنع القرار الإستراتيجي” أعدّها روجر سبيتز، وذهب فيها إلى ضرورة تطوير القدرات البشرية بالعلم والمعرفة لمواكبة التطورالعالمي التقني.
وفي الخط الزمني للدراسات المستقبلية، استعراض لتطور الفكر المستقبلي وإشارة إلى أفلاطون والمجتمع المثالي في كتابه “الجمهورية”.
وقدمت دراسة بعنوان “علي بابا والمفتاح الذهبي” تصورًا لمستقبل التصنيع في مصر الذي يقوم على أُسس أهمها إنشاء أنموذج اقتصاد دائري لا يضر بالبيئة والموارد الطبيعية واستكشاف إمكانات المجمعات الصناعية بما يؤدي إلى تفاعل بين الشركات بمختلف أحجامها .
وركزت إحدى الدراسات على خريطة مستقبل التعليم العالي في ماليزيا، وانتهت إلى أن الأدبيات أظهرت وجود صور متسقة وحية للمستقبل في وزارة التعليم العالي مكنت المعنيين من الوصول إلى إدراك مشترك للسيناريو المستقبلي المطلوب.
وتضمن العدد دراسة عن الجغرافيا السياسية للفضاء الرقمي، والأخيرة ذات أهمية تخص المملكة العربية السعودية وعنوانها ” التحول الرقمي لمدن المملكة.
وتناول العدد مراجعة لكتاب عن “الدور القادم لبريطانيا في الشرق الأوسط بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي”.

نشر الخبر في 24 ذي القعدة 1444هـ (13 يونيو 2023م)


المصدر: واس

Pin It on Pinterest